للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان قبيحًا منعه، فصار عند المعتزلة حكمان: أحدهما: عقلي، والآخَرُ: شرعي تابع له.

والفقه هو العلم بالثاني؛ فلذلك (١) احترز عن الأول عندهم.

وكلام هذا الشارح يقتضي أنهم يطلقون على العلم بالأحكام العقلية فِقْهًا، وليس كذلك (٢).

فإذا تُؤُمِّل كلام الإمام كان رادًّا على ما قاله هذا الشارح.

وهذا "المعتمد" وغيره من كتب المعتزلة وفيها الأحكام الشرعية في


(١) في (ت): "ولذلك".
(٢) ملخص كلام السبكي في الاعتراض على هذا الشارح، في قوله: "وتنبيه على أنّ الحق: أن الأحكام بحسب الشرع لا بحسب العقل، كما هو مذهب المعتزلة" - أنّ كلامه هذا يفيد أمرين باطلين: أولهما: أنَّ المعتزلة يقولون بأن الحاكم هو العقل، وهو خلاف مذهبهم، إذ هم يُقِرُّون بأن الحكم شرعي، وأن الشارع هو الله تعالى وحده، وإنما يقولون بأن العقل طريق إلى معرفة الحكم الشرعي، فهو مُدْرِك وكاشِف عن حكم الله تعالى، لا أنَّه مُشَرِّع من دون الله تعالى. وثانيهما: وهو لازم للأول ومُتَرتِّب عليه، وهو أنَّ المعتزلة يُسَمُّون العلم بالأحكام العقلية فقهًا؛ إذ الحكم عندهم - كما يدعي هذا الشارح - منشؤه العقل، ومِنْ ثَمَّ فجميع أحكام الفقه عقلية، وهو خلاف مذهبهم، إذ مذهبهم أنَّ الحكم الشرعي تابع للحكم العقلي، وأن الفقه: هو العلم بالحكم الشرعي لا العقلي. فاحتراز الإمام في التعريف، إنما هو عن الحكم العقلي عندهم دون الشرعي، لا عن جميع الأحكام عندهم. والحاصل أنَّ قيد: "الشرعية" في تعريف الفقه، ليس فيه تنبيه على خلاف قول المعتزلة؛ إذ هم لم يخالفوا في ذلك، فلم يخالفوا في أنَّ مصدر الحكم هو الشرع، ولم يخالفوا في أنَّ الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية لا العقلية. فالعلم بالأحكام العقلية ليس فقهًا عند المعتزلة، وإنْ كانت أحكامًا يلزم بها التكليف عندهم، فمعرفة أحكام الفقه متوقفة عندهم على ورود الشرع، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>