للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"مصباح الأرواح".

فإن قلت: قد عُلم مذهبُ أهل السنة رضي الله عنهم في أن الأحكام إنما تثبت من جهة الشرع ولا شيء منها عقلي (١)، فما معنى ما يأتي في عبارة أهل السنة من الفقهاء من قولهم: هذا حرام بالعقل، وهذا جائز بالعقل وما شابه ذلك؟

قلت: هذا سؤال لنا غرض صحيح في الجواب عنه؛ لوقوف جماعة من الشاذِّين (٢) في الفقه على أمثال هذه العبارة، ووقوع الريب في قلوبهم من قائلها، والكلام عليه وإنْ كان كالدخيل في هذا الشرح، إلا أنَّ غيرنا لا


(١) يريد بأهل السنة الأشاعرة وموافقيهم، وإلا فقد سبق النقل عن الحنفية أنهم يرون أن الأحكام عقلية بمعنى أنهم يقولون في الأفعال الاختيارية جهةُ حسن أو قبح عقلية، بها تصلح الأفعال للأمر بها تارة، وللنهي عنها تارة أخرى، وفريق من متقدميهم أثبت حكمًا وتكليفًا بذلك (أي: قبل البعثة) وهو وجوب الإيمان وحرمة الكفر، وحرمة ما لا يليق بذات الله تعالى كالكذب والسفه، والمتأخرون منهم لم يثبتوا بالحسن والقبح العقلي أيَّ حكمٍ؛ ولذلك في "مسلم الثبوت" وشرحه: (وعندنا) معشر الماتريدية والصوفية الكرام من معظم أهل السنة والجماعة (وعند المعتزلة عقلي، أي: لا يتوقف على الشرع، لكن عندنا) من متأخري الماتريدية (لا يستلزم) هذا الحسنُ والقبح (حكمًا) من الله سبحانه (في العبد، بل يصير موجِبًا لاستحقاق الحكم من الحكيم الذي لا يرجِّح المرجوح) فالحاكم هو الله تعالى، والكاشف هو الشرع (فما لم يحكم) الله تعالى بإرسال الرسل وإنزال الخطاب (ليس هناك حكم).
انظر: فواتح الرحموت ١/ ٢٥، وانظر: تيسير التحرير ٢/ ١٥٠، سلم الوصول ١/ ٢٥٨.
(٢) في (ص): "الشاكين".

<<  <  ج: ص:  >  >>