للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقيس عليه، فإن الاستظلال بجدار الغير، والاقتباسَ من ناره، من جملة الأفعال الاختيارية الداخلة تحت صور النزاع، ولئن سلمنا ثبوتَ الحكم في الأصل فلا نسلم أنه معلَّل بهذه الأوصاف، واستدلالكم على ذلك بالدوران لا يفيدكم؛ لأن الدوران وإن كان حجة فالظن الحاصل منه ضعيف لا يُستدل بمثله على هذه المسألة (١).

واعلم أن هذا لا يخالِف قولَه في القياس بحجية الدوران، لأن القائل بحجيته معترِف بأنه جارٍ في مجاري الظنون الضعيفة التي يُستدل بها على الفروع الفقهية الجزئية دون المسائل الأصولية. وأما مَنْ قال بأنه مفيد للقطع فلا مبالاة بمُعْتَقدِه الفاسد.

وأجيب عن الثاني: بأن الدليل المذكور مبني على تعليل أفعال الله تعالى بالأغراض، وقد بَيَّنَّا فيما سلف أنه لا يجوز تعليلها.

ولقائل أن يقول: إذا كان الكلام في هذا الفرع مفرَّعًا على القول بقاعدة التحسين والتقبيح - وجب المشي فيه على قاعدة القوم، وهم يعلِّلون أفعال الله تعالى، ويزعمون أنها تابعة للمصالح.

ثم قال المصنف: ولئن سلمنا جوازَ تعليلها فلا نسلِّم انحصار الغرض فيما ذكرتم، وجاز أن يكون الغرض في خَلْقِها هو التنزه بمشاهدتها أو غيرُ ذلك.

قال: (وقال الآخرون: تصرفٌ بغير إذن المالك فيحرم كما في


(١) لأن العلة التي جُعِلت مدارًا للدوران مُتَنَازَعٌ فيها، فهي ضعيفة لا تفيد إلا ظنًا ضعيفًا، والمسائل الأصولية تحتاج إلى القطع.

<<  <  ج: ص:  >  >>