وأجاب: بأن تقبيح هذا مبني على مسألة التحسين والتقبيح، وهي منهدمة الأركان.
ولقائل أن يقول: إنْ ثبت قُبْح هذا فهو صفة نقص ولا خلاف، كما سلف في أن التحسين والتقبيح على معنى صفات الكمال والنقص عقلي، وما تقدم من كلام القرافي يصلح جوابًا هنا.
ثم أجاب المصنف ثانيًا: بأن أمر الله تعالى هو الطلب القائم بذاته على رأي أهل الحق، ولا سَفَه في قيام طلب الفعل بذاته ممن سيوجد، كما أنه لا سفه في أن يقوم بذات الأب طلبُ تَعَلُّمِ العلم من الولد الذي سيوجد؛ ولو قُدِّر بقاء ذلك الطلب حتى يوجد الولد - صار مطالَبًا بذلك المطلب ومأمورًا، فكذلك المعنى القائم بذات الله تعالى الذي هو: اقتضاء الطاعة من العباد - قديمٌ، تَعَلَّق بعِبادٍ على تقدير وجودهم، فإذا وُجدوا صاروا مأمورين بذلك الاقتضاء.
وهذا الجواب صحيح، إلا أن قياس الغائب على الشاهد لا يصح (١)،
(١) قياس الغائب على الشاهد نوع من القياس العقلي، وذهب إلى صحته أكثر المتكلمين. وضعَّفه الإمام وغيره؛ بأنه لا يفيد اليقين والمطلوب في المسائل التي استدلوا به فيها اليقين، مع أن في تعبيرهم عن الباري تعالى بالغائب إساءة أدب. وقال بعدم صحته الحنفية أيضًا. والقائلون به قالوا: لا بد من جامع عقلي، والجامع أربعة: العلة، والحد، والشرط، والدليل. فالجمع بالعلة وهو أقوى الوجوه كقولهم: العالِمية في الشاهد - يعني: المخلوقات - معلَّلةٌ بالعلم، فكذلك في الغائب سبحانه وتعالى. وأما الجمع بالحد فكقولهم: حَدُّ العالِم شاهدًا: مَن له العِلْم، فكذلك في الغائب. وأما الجمع =