للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا هو الذي يقتضيه أصلهم: وهو أن الاستطاعة عندهم مع الفعل لا قبله.

فإن قلت: أصلهم الآخر وهو تجويز التكليف بما لا يطاق - يقتضي جواز الأمر بالفعل حقيقة قبل الاستطاعة، فعلى هذا يكون المأمور مأمورًا قبل التلبس بالفعل.

قلت: لعلهم فَرَّعوا هذا على استحالته، أو أنهم وإنْ جوزوه فلم يقولوا بوقوعه، ويكون كلامهم هنا بناء على عدم الوقوع.

ثم اختار إمام الحرمين مذهب المعتزلة من الأمر بالحادث قبل الحدوث، وعدم الأمر به مع الحدوث. وقال: "أما أنْ يتجه (١) القول في تعلق الأمر به طلبًا واقتضاءً مع حصولهِ - مذهبٌ لا يرتضيه لنفسه عاقل" (٢).

وأما الغزالي فإنه قال: بوجود الأمر قبل الفعل، وسلَّم مقارنة القدرة للفعل (٣)، ومن هنا خالف قولَ إمامه، فإن إمامه رأى أنَّ (٤) القدرة: هي التمكن، وحالةُ الوجود تُنافي التمكنَ من الفعل والترك، فيتعين الوقوع،


(١) في البرهان ١/ ٢٧٩: "فأما أن ينجزم"، وعبارة "يتجه" أولى وأحسن؛ لأن المعنى: فأما أن يستحسن ويستسيغ عاقل. . . إلخ، ولا علاقة للجزم بالكلام، وإنْ كان يمكن فهم الكلام به، لكن الأقرب هو عبارة: "يتجه". وقد أشار محقق "البرهان" إلى نسخة فيها: "يتجه".
(٢) البرهان ١/ ٢٧٩.
(٣) فقبل أن يَفْعل هو مأمور، مع أن القدرة على الفعل لا تكون إلا مع الفعل لا قبله.
(٤) سقطت من (ت).

<<  <  ج: ص:  >  >>