للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا دليل القائلين بوقوع التكليف بالمحال لذاته، ويصلح أن يكون اعتراضًا على الدليل الأول وهو الاستقراء. وتقريره: أن أبا لهب مأمور بالجمع بين النقيضين؛ لأنه مأمور بالإيمان، والإيمان عبارة عن: تصديق الرسول - صلى الله عليه وسلم - في جميع ما جاء به، ومما جاء به: أنه لا يؤمن؛ فوجب عليه تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، ولا يتم تصديقه في ذلك إلا بعدم الإيمان؛ فوجب أن يؤمن وأن لا يؤمن، وهو جمع بين نقيضين.

وأجاب: بأن أَمْر أبي لهب بالإيمان لم يكن في حال الإخبار بعدم الإيمان بحسب الزمان؛ فلم يقع التكليف بالجمع بين النقيضين (١).

وهو (٢) جواب باطل؛ فإن أبا لهبٍ مأمور بالإيمان قبل الإخبار وبعده بالإجماع (٣). وإنما الجواب أن هذا ليسَ من باب الممتنع لذاته (٤)، بل من الممتنع لغيره (٥)، وذلك أنه تعالى أخبرَ بأنه (٦) لا يؤمن فاستحال إيمانُه ضرورةَ صدقِ خبرِ الله تعالى، وعدمِ وقوعِ الخُلْف في خبره. فإذا أمره بالإيمان والحالة هذه فقد أمره بما هو ممكن في نفسه، وإن كان مستحيلًا لغيره، كما قلناه فيمن عَلِم الله تعالى أنه لا يؤمن.


(١) يعني: زمان الأمر بالإيمان قبلَ ورودِ الإخبار بأنه لا يؤمن، ومِنْ شرط النقيضين الاتحاد في الزمان.
(٢) في (ك): "وهذا".
(٣) لأنه مأمور بالإيمان إلى أن يموت، كحال كل مكلف.
(٤) أي: الممتنع عقلًا وعادة.
(٥) أي: الممتنع عقلًا لا عادة، وهو جائز بالاتفاق. وانظر: نفائس الأصول ٤/ ١٥٤٨.
(٦) في (ص): "أنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>