= الكف عن المنهيات لا يتوقف على نيةٍ فصح من الكافر حال كفره، بخلاف فِعْل العبادات فإنه لا بد فيه من النية، فَتَوَقَّف فعلها على الإيمان، فلا تصح من الكافر حال كفره؛ ولذلك هم يُعَاقَبون في الدنيا على ترك لإيمان بالقتل، والسبي، وأخذ الجزية، والحد في الزنا والقذف، والقطع في السرقة، ولا يؤمرون بفعل شيء من العبادات أداءً في حال الكفر، ولا قضاءً بعد زواله بالإسلام" إلى أن قال رحمه الله تعالى عن هذا المذهب وهو أن الخلاف في الأوامر دون النواهي: "وهذا المذهب هو قضية بناء المسألة على الأصل: أن اجتناب النواهي لا يتوقف على الإيمان فليس شرطًا فيه". والمعنى واضح: وهو أن هذا المذهب الذي ينفي الخلاف في النواهي ويجعله في الأوامر هو مقتضى بناء المسألة على الأصل: وهو أن الإيمان هل هو شرط في التكليف بالفروع، أم ليس بشرط؟ وقد اتفقنا على أن المنهيات لا تحتاج إلى نية، فمِنْ ثَمَّ خرجت من الخلاف، والنية كما هو معلوم لا تصح إلا من مؤمن. انظر: سلم الوصول ١/ ٣٧٤. وينبغي أن يُعْلم أن تكليف الكفار بالمنهيات ليس المراد به إثابتهم على الترك، فهذا لا يتأتى إلا بالإيمان، لكن المراد أننا نُجري عليهم العقوبات الدنياوية التي هي من قبيل خطاب الوضع، كالمعاملات سواء. قال المطيعي: "وقد علمتَ أنه لا خلاف في أنهم مخاطبون في الدنيا بالعقوبات والمعاملات". سلم الوصول ١/ ٣٧٥، وانظر: فواتح الرحموت ١/ ١٢٨. قال ابن عابدين رحمه الله تعالى في حاشيته "رد المحتار" ٣/ ٢٢٣: "الذي تحرر في المنار وشرحه لصاحب البحر أنهم مخاطبون بالإيمان وبالعقوبات سوى حدِّ الشرب، والمعاملات، وأما العبادات فقال السمرقنديون. . .". وحَكَى أقوال السمرقنديين والبخاريين والعراقيين السابق ذِكْرُها. فيستثنى من العقوبات عقوبة شرب الخمر لاعتقادهم إباحته. قال السيوطي في الأشباه ص ٢٥٤: "ولا يُحد لشرب الخمر، ولا تُراق عليه، بل تُرد إذا غُصِبت منه، إلا أنْ يُظهر شربها أو بيعها"، وانظر: البحر المحيط ٢/ ١٣٩، الأشباه والنظائر لابن السبكي ٢/ ١٠٢. وكذا أكل لحم الخنزير فإنهم يعتقدون إباحته، قال الجصاص: "قال أصحابنا: أهل الذمة محمولون في البيوع والمواريث وسائر العقود على أحكام الإسلام كالمسلمين، إلا في بيع الخمر والخنزير، فإن ذلك جائز فيما بينهم". أحكام القرآن ٢/ ٤٣٦، وانظر: الأم ٤/ ٢٠٦، كشاف القناع ٣/ ١٢٦، شرح منتهى الإرادات =