للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزنا؛ لأنه التزم أحكامنا بعقد الجزية (أو غيرها) (١)؛ ولذلك لا نُحِدُّ الحربي. قلت: الالتزام بمجرده لا يُوجب الحد.

فإن قلت: قال أبو عبد الله بن خوَيْز مِنداد (٢) المالكي: "إنهم إنما يُقْطعون في السرقة، ويُقتلون في الحِرَابة من باب الدفع، فهو تعزير لا حَدٌّ؛ لأن الحدودَ كفاراتٌ لأهلها وليست هذه كفارات" (٣)، ومقتضى ذلك أن لا يجب حدُّ الزنا؛ لما ذكره.

قلت: مقالته هذه فاسدة؛ فإن الحدود إنما تكون كفارةً لأهلها إذا كانوا مُسْلمين كما صَرَّح به الشافعي رضوان الله عليه، والكافر ليس من أهل الأجر ولا الثواب ولا الطُّهْرة، وإنما هي في حقه كالديون اللازمة؛ ولذلك نُلْزِمه بكفارة الظهار ونحوها ولا يزول عنه بها إثم (٤).


(١) في (ت): "وغيرها". والمراد بغير الجزية هو عَقْد الأمان الذي يدخل به الكافر ديار الإسلام لمدة محدودة. انظر: بدائع الصنائع ٧/ ١٠٩.
(٢) هو محمد بن أحمد بن علي بن إسحاق بن خُوَيْز مِنْداد، أبو عبد الله. قال ابن حجر رحمه الله: "وعنده شواذ عن مالك، واختيارات وتأويلات لم يُعَرِّج عليها حُذَّاق المذهب، كقوله: إنَّ العبيد لا يدخلون في خطاب الأحرار، وإنَّ خبر الواحد مفيد العلم، وإنه لا يعتق على الرجل سوى الآباء والأبناء، وقد تكلم فيه أبو الوليد الباجي، ولم يكن بالجيد النظر، ولا بالقوي في الفقه. . . وطعن ابن عبد البر فيه أيضًا، وكان في أواخر المائة الرابعة". انظر: الديباج المذهب ٢/ ٢٢٩، لسان الميزان ٥/ ٢٩١.
(٣) انظر مقولته في البحر المحيط ٢/ ١٢٨.
(٤) يعني: لو ظاهر الكافر مِنْ زوجته - فإنا نُلْزمه بالكفارة ليستبيح زوجته، ولكن لا يرتفع إثم الظهار عنه بالكفارة، لأنها ليست بكفارة في حقه، بل هي سبب يستبيح به زوجته.

<<  <  ج: ص:  >  >>