خلفه من سلاطين بني أيوب لمحاربة الشيعة والتشيع في مصر، إلا أن الكثير من آثار المذهب الشيعي ظلت قائمةً في عصر المماليك. وقد لجأ سلاطين المماليك إلى استخدام العنف أحيانًا لكبت الشيعة، حتى أن الناس في ذلك العصر كانوا إذا أرادوا أن يكيدوا لشخصٍ دَسُّوا عليه مَنْ رماه بالتشيع، فتصادر أملاكه، وتنهال عليه العقوبات والإهانات، حتى يُظْهِر التوبة من الرفض. وفي الوقت نفسِه حارب سلاطين المماليك ظاهرةَ التشيع عن طريقٍ غير مباشر، فأمر السلطان الظاهر بيبرس ١٢٦٧ م (٦٦٥ هـ) باتباع المذاهب السنية الأربعة وتحريم ما عداها، كما أمر بألا يُولى قاضٍ ولا تُقبل شهادةُ أحدٍ ولا يرشَّح لإحدى وظائف الخطابة أو الإمامة أو التدريس ما لم يكن مقلِّدًا لأحد هذه المذاهب.
وثمة وسيلة اتخذها سلاطين بني أيوب، واتبعهم فيها سلاطين المماليك؛ لمحاربة المذهب الشيعي والحد من انتشاره في البلاد: هي إنشاء المدارس. وقد سبق أن تكلمنا عن أهمية المدرسة من الناحية العلمية، ولكن الحقيقة الكبرى التي لا ينبغي أن تغيب عن أذهاننا هي أن صلاح الدين عندما أنشأ أُولى المدارس في مصر، إنما استهدف أن تكون المدرسة - قبل أي اعتبار آخر - مركزًا لتدعيم الفقه السني. وقد راعى هذا المبدأ خلفاء صلاح الدين، فأقاموا المدارس واشترطوا أن تكون كلٌّ منها خاصةً بتدريس مذهبٍ أو مذهبين من مذاهب السنّة الأربعة، حتى كانت المدرسة التي أنشأها السلطان الصالح نجم الدين أيوب (١) سنة ١٢٤٢ (٦٤٠ هـ)،
(١) هو الملك الصالح أيوب بن محمد بن أبي بكر بن أيوب، أبو الفتوح نجم الدين، =