للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي يوم هذه الجمعة، أخبرني من رأى الفقراء الغرب، أظن وغيرهم يقطعون في بغل ميت له يوم أو يومان على رؤوس الناس للأكل، بل وأخبرت أيضا أنه لم ير أيضا في آخر النهار رأسه ولا شيئا منه ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (١)، فإن الناس قد قل خيرهم جدا، وصار الفقير محروما حتى اللقمة والدراهم (٢)، وبسبب ذلك فشى الموت في الفقراء حتى أفنى الكثيرون، وفي كل يوم يموت خلائق منهم وأكثرهم من العرب البادية، فإن بلادهم قحطت من قلة المطر، فصاروا يجيئون إلى مكة أفواجا، فقسي الخلق عليهم وكثر الموت فيهم (٣)، والمرجو في الله اللطف بالمسلمين والرحمة بهم ومنهم، وأن يرخي الأسعار وتكثر الأمطار ويخصب البلاد ويرزقهم الرحمة على بعضهم بعضا وبه المستعان وهو على كل شيء قدير.

وفي ليلة الأحد، ثاني عشر الشهر، كانت زفة المولد، ومشى أمام القاضي الشافعي الناظر الجمالي أبي السعود بن ظهيرة أجله الله على العادة القضاة، والفقهاء، والأمراء، والترك وخلق كثير جدا.


(١) من شدة عوز هؤلاء الناس اضطروا إلى أكل الميتة لقلة ما بيدهم، وكذلك لقلة المحسنين على الفقراء الذين يحتاجون الى المساعدة، كما يتضح من النص.
(٢) الدرهم: هو وحدة من وحدات السكة الإسلامية الفضية، وقد أخذها العرب من الفرس، وهو النقد الرائج بمكة. والدرهم يساوى سبعة أعشار المثقال. ابن خلدون: المقدمة، ص ٢٦١ - ٢٦٣. رأفت محمد النبراوى: النقود الإسلامية في مصر عصر دولة المماليك الجراكسه، ص ٣٤١. ضيف الله يحي الزهراني: أسعار المواد الغذائية بمكة المكرمة، ص ١٠٤.
(٣) إن شدة الأسعار في تلك الفترة كانت سببا في تفشى الأمراض بين الفقراء وعدم حصولهم على لقمة العيش وموت الكثير منهم، وكذلك انتقال كثير من البادية إلى مكة نتيجة ما حل بهم من القحط. ويعود ارتفاع الأسعار في تلك الفترة لقلة السلع نتيجة قلة الأمطار. الجزيرى: درر الفرائد المنظمة، ص ٣٤٦.