. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَفِيهِ احْتِمَالٌ أَنَّهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، لِأَنَّ الرَّكْعَةَ تُسَمَّى صَلَاةً، وَحَدِيثُ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ تُسَمَّى صَلَاةً، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنْ عَلَّمَهُ مَا يَفْعَلُهُ فِي رَكْعَةٍ " وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا " فَدَلَّ عَلَى إيجَابِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ.
وَإِلَى وُجُوبِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ذَهَبَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ، وَعِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ وَآخَرِينَ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، بَلْ فِي جُمْلَةِ الصَّلَاةِ.
وَالدَّلِيلُ ظَاهِرٌ مَعَ أَهْلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ بَعْدَ تَعْلِيمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاطْمِئْنَانِ إلَى آخِرِهِ، أَنَّهُ قَالَ الرَّاوِي: فَوَصَفَ: أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ هَكَذَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ قَالَ: «لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ يَفْعَلَ ذَلِكَ: أَيْ كُلُّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَغَيْرِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ لِقَوْلِهِ: فَوَصَفَ الصَّلَاةَ هَكَذَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ.
الثَّانِي: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْقِرَاءَةِ مِنْ صِفَاتِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالِاعْتِدَالِ، وَنَحْوِهِ، مَأْمُورٌ بِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَمَا يُفِيدُهُ هَذَا الْحَدِيثُ؛ وَالْمُخَالِفُ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لَا يَقُولُ إنَّهُ يَكْفِي الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالِاطْمِئْنَانُ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ صَلَاتِهِ، أَوْ يُفَرِّقُهَا فِي رَكَعَاتِهَا، فَكَيْفَ يَقُولُ إنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَاتِحَةِ تَنْفَرِدُ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ الْمَأْمُورَاتِ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ؟ أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ؟ وَهَذَا تَفْرِيقٌ بَيْنَ أَجْزَاءِ الدَّلِيلِ بِلَا دَلِيلٍ.
فَتَعَيَّنَ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ " ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا " فِي رَكَعَاتِهَا، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ كَتْبِهِ أَنَّهُ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِخَلَّادِ بْنِ رَافِعٍ وَهُوَ الْمُسِيءُ صَلَاتَهُ: " ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ " وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي».
ثُمَّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وُجُوبُ قِرَاءَتِهَا فِي سِرِّيَّةٍ، وَجَهْرِيَّةٍ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْمُؤْتَمِّ.
أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمُؤْتَمُّ فَدُخُولُهُ فِي ذَلِكَ وَاضِحٌ وَزَادَ إيضَاحًا فِي قَوْلِهِ: [وَفِي أُخْرَى] مِنْ رِوَايَةِ عُبَادَةَ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ: «لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إمَامِكُمْ؟ قُلْنَا، نَعَمْ، قَالَ: لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا».
فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى إيجَابِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ تَخْصِيصًا، كَمَا دَلَّ اللَّفْظُ الَّذِي عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِعُمُومِهِ، وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرٌ فِي عُمُومِ الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ وَالسِّرِّيَّةِ، وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَيْضًا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ.
وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يَقْرَأهَا الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ إمَامِهِ فِي الْجَهْرِيَّةِ إذَا كَانَ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ، وَيَقْرَأهَا فِي السَّرِيَّةِ، وَحَيْثُ لَا يَسْمَعُ فِي الْجَهْرِيَّةِ؛ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: لَا يَقْرَأهَا الْمَأْمُومُ فِي سِرِّيَّةٍ وَلَا جَهْرِيَّةٍ، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ " حُجَّةٌ عَلَى الْجَمِيعِ وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِحَدِيثِ «مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ» مَعَ كَوْنِهِ ضَعِيفًا