للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٦٣ - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّلْخِيصِ بِأَنَّهُ مَشْهُورٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ "، وَلَهُ طُرُقٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كُلُّهَا مَعْلُومَةٌ؛ انْتَهَى.

مِنْ طُرُقٍ كُلُّهَا ضِعَافٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ لَا يَتِمُّ بِهِ الِاسْتِدْلَال؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ: لِأَنَّ لَفْظَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٍ يَعُمُّ كُلَّ مَا يَقْرَؤُهُ الْإِمَامُ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وَحَدِيثُ «إذَا قَرَأَ فَانْصِتُوا» فَإِنَّ هَذِهِ عُمُومَاتٍ فِي الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ " خَاصٌّ بِالْفَاتِحَةِ فَيُخَصُّ بِهِ الْعَامُّ.

ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ قِرَاءَتِهَا خَلْفَ الْإِمَامِ، فَقِيلَ: فِي مَحَلِّ سَكَتَاتِهِ بَيْنَ الْآيَاتِ، وَقِيلَ سُكُوتُهُ بَعْدَ تَمَامِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَدِيثِ؛ بَلْ حَدِيثُ عُبَادَةَ دَالٌّ أَنَّهَا تُقْرَأُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ الْفَاتِحَةَ، وَيَزِيدُهُ إيضَاحًا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ: «أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ أَبِي نُعَيْمٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ، فَجَعَلَ عُبَادَةُ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ لِعُبَادَةَ بَعْضُ مَنْ سَمِعَهُ يَقْرَأُ: سَمِعْتُك تَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَأَبُو نُعَيْمٍ يَجْهَرُ، قَالَ: أَجَلْ، صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، قَالَ فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: هَلْ تَقْرَءُونَ إذَا جَهَرْت بِالْقِرَاءَةِ؟ فَقَالَ بَعْضُنَا؛ نَعَمْ، إنَّا نَصْنَعُ ذَلِكَ؛ قَالَ: فَلَا، وَأَنَا أَقُولُ: مَالِي يُنَازِعُنِي الْقُرْآنُ فَلَا تَقْرَءُوا بِشَيْءٍ إذَا جَهَرْت إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ» فَهَذَا عُبَادَةُ " رَاوِي الْحَدِيثِ قَرَأَ بِهَا جَهْرًا خَلْفَ الْإِمَامِ، لِأَنَّهُ فَهْمٌ مِنْ كَلَامَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَقْرَأُ بِهَا خَلْفَ الْإِمَامِ جَهْرًا وَإِنْ نَازَعَهُ. وَأَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ " فَإِنَّهُ أَخْرَجَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد " أَنَّهُ لِمَا حَدَثَ بِقَوْلِهِ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَا يَقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ فَهِيَ خِدَاجٌ، فَهِيَ خِدَاجٌ: غَيْرُ تَمَامٍ: قَالَ لَهُ الرَّاوِي عَنْهُ وَهُوَ أَبُو السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إنِّي أَكُونُ أَحْيَانًا وَرَاءَ الْإِمَامِ، فَغَمَزَ ذِرَاعَهُ وَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا يَا فَارِسِيُّ فِي نَفْسِك»، الْحَدِيثُ.

وَأَخْرَجَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سِرًّا ثُمَّ قَالَ مَكْحُولٌ: اقْرَأْ بِهَا فِيمَا جَهَرَ بِهِ الْإِمَامُ إذَا قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسَكَتَ سِرًّا، فَإِنْ لَمْ يَسْكُتْ قَرَأْتهَا قَبْلَهُ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ لَا تَتْرُكْهَا عَلَى حَالٍ.

وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ «أَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنَادِيَ فِي الْمَدِينَةِ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَمَا زَادَ» وَفِي لَفْظٍ: " إلَّا بِقُرْآنٍ وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَمَا زَادَ " إلَّا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ عُبَادَةَ " الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>