٥٥٢ - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ - وَلَهُمَا نَحْوُهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
لِمَنْ أَمَرَهُ أَنْ يَنْهَى النِّسَاءَ الْمُجْتَمِعَاتِ لِلْبُكَاءِ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: اُحْثُ فِي وُجُوهِهِنَّ التُّرَابَ» فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بُكَاءً بِتَصْوِيتِ النِّيَاحَةِ فَأَمَرَ بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَلَوْ بِحَثْوِ التُّرَابِ فِي أَفْوَاهِهِنَّ.
(وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَهُمَا) أَيْ الشَّيْخَيْنِ كَمَا دَلَّ لَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُمَا الْمُرَادُ بِهِ (نَحْوُهُ) أَيْ نَحْوُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ (عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) الْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ كَثِيرَةٌ وَفِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى تَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِسَبَبِ النِّيَاحَةِ عَلَيْهِ.
وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَعْذِيبَهُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَاخْتَلَفَتْ الْجَوَابَاتُ فَأَنْكَرَتْ عَائِشَةُ ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَاحْتَجَّتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وَكَذَلِكَ أَنْكَرَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاسْتَبْعَدَ الْقُرْطُبِيُّ إنْكَارَ عَائِشَةَ وَذَكَر أَنَّهُ رَوَاهُ عِدَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهَا مَعَ إمْكَانِ تَأْوِيلِهِ ثُمَّ جَمَعَ الْقُرْطُبِيُّ بَيْنَ حَدِيثِ التَّعْذِيبِ وَالْآيَةِ بِأَنْ قَالَ: حَالَ الْبَرْزَخِ يَلْحَقُ بِأَحْوَالِ الدُّنْيَا وَقَدْ جَرَى التَّعْذِيبُ فِيهَا بِسَبَبِ ذَنْبِ الْغَيْرِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} فَلَا يُعَارِضُ حَدِيثُ التَّعْذِيبِ آيَةَ {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْإِخْبَارُ عَنْ حَالِ الْآخِرَةِ وَاسْتَقْوَاهُ الشَّارِحُ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى تَأْوِيلِهِ بِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ): لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِذَلِكَ إذَا كَانَ سُنَّتُهُ وَطَرِيقَتُهُ وَقَدْ أَقَرَّ عَلَيْهِ أَهْلَهُ فِي حَيَاتِهِ فَيُعَذَّبُ لِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقَتُهُ فَإِنَّهُ لَا يُعَذَّبُ فَالْمُرَادُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَدْ يُعَذَّبُ الْعَبْدُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ لَهُ فِيهِ سَبَبٌ.
(الثَّانِي): الْمُرَادُ أَنَّهُ يُعَذَّبُ إذَا أَوْصَى أَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ وَهُوَ تَأْوِيلُ الْجُمْهُورِ قَالُوا: وَقَدْ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْقُدَمَاءِ كَمَا قَالَ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ.
إذَا مِتّ فَابْكِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ … وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا أُمَّ مَعْبَدِ
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ النِّيَاحَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ امْتِثَالًا لَهُ أَنْ لَا يُعَذَّبَ لَوْ لَمْ يَمْتَثِلُوا بَلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute