٥٥٣ - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «شَهِدْت بِنْتًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُدْفَنُ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ عِنْدَ الْقَبْرِ، فَرَأَيْت عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
٥٥٤ - وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَدْفِنُوا مَوْتَاكُمْ بِاللَّيْلِ إلَّا أَنْ تَضْطَرُّوا» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ، لَكِنْ قَالَ: «زَجَرَ أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ. حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ».
يُعَذَّبُ بِمُجَرَّدِ الْإِيصَاءِ فَإِنْ امْتَثَلُوهُ وَنَاحُوا عُذِّبَ عَلَى الْأَمْرَيْنِ وَالْإِيصَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُهُ وَالنِّيَاحَةُ؛ لِأَنَّهَا بِسَبَبِهِ.
(الثَّالِثُ): أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْكَافِرِ وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُعَذَّبُ بِذَنْبِ غَيْرِهِ أَصْلًا وَفِيهِ بُعْدٌ لَا يَخْفَى فَإِنَّ الْكَافِرَ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ ذَنْبُ غَيْرِهِ أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
(الرَّابِعُ): أَنَّ مَعْنَى التَّعْذِيبِ تَوْبِيخُ الْمَلَائِكَةِ لِلْمَيِّتِ بِمَا يَنْدُبُهُ بِهِ أَهْلُهُ، كَمَا رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا «الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ إذَا قَالَتْ النَّائِحَةُ: وَا عَضُدَاهْ وَا نَاصِرَاهْ وَا كَاسِيَاهْ جِلْدَ الْمَيِّتِ وَقَالَ: أَنْتَ عَضُدُهَا أَنْتَ نَاصِرُهَا أَنْتَ كَاسِيهَا» وَأَخْرَجَ مَعْنَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(الْخَامِسُ) أَنَّ مَعْنَى التَّعْذِيبِ تَأَلُّمُ الْمَيِّتِ بِمَا يَقَعُ مِنْ أَهْلِهِ مِنْ النِّيَاحَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَرِقُّ لَهُمْ وَإِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ ذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ فِيهِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَجَرَ امْرَأَةً عَنْ الْبُكَاءِ عَلَى ابْنِهَا، وَقَالَ: إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا بَكَى اسْتَعْبَرَ لَهُ صُوَيْحِبُهُ يَا عِبَادَ اللَّهِ لَا تُعَذِّبُوا إخْوَانَكُمْ» وَاسْتُدِلَّ لَهُ أَيْضًا أَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُعْرَضُ عَلَى مَوْتَاهُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ وَثَمَّةَ تَأْوِيلَاتٌ أُخَرُ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَشَفُّ مَا فِي الْبَابِ.
(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «شَهِدْت بِنْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - تُدْفَنُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ عِنْدَ الْقَبْرِ فَرَأَيْت عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) قَدْ بَيَّنَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ الْبِنْتَ أُمُّ كُلْثُومٍ وَقَدْ رَدَّ الْبُخَارِيُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّهَا رُقَيَّةُ بِأَنَّهَا مَاتَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفْنَهَا
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ لَهُ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ عُورِضَ بِحَدِيثِ «فَإِذَا وَجَبَتْ فَلَا تَبْكِينَ بَاكِيَةً» وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ أَوْ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي بُكَاؤُهُنَّ إلَى النِّيَاحَةِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرِيعَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute