. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ «وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا» وَالتَّرَاجُعُ بَيْنَ الْخَلِيطَيْنِ أَنْ يَكُونَ؛ لِأَحَدِهِمَا مَثَلًا أَرْبَعُونَ بَقَرَةً وَلِلْآخَرِ ثَلَاثُونَ بَقَرَةً وَمَالُهُمَا مُشْتَرَكٌ فَيَأْخُذُ السَّاعِي عَنْ الْأَرْبَعِينَ مُسِنَّةً وَعَنْ الثَّلَاثِينَ تَبِيعًا فَيَرْجِعُ بَاذِلُ الْمُسِنَّةِ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِهَا عَلَى خَلِيطِهِ وَبَاذِلُ التَّبِيعِ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِهِ عَلَى خَلِيطِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ السِّنِينَ وَاجِبٌ عَلَى الشُّيُوعِ كَأَنَّ الْمَالَ مِلْكُ وَاحِدٍ.
وَفِي قَوْلِهِ: (بِالسَّوِيَّةِ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّاعِيَ إذَا ظَلَمَ أَحَدَهُمَا فَأَخَذَ مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى فَرْضِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى شَرِيكِهِ وَإِنَّمَا يَغْرَمُ لَهُ قِيمَةَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْوَاجِبِ دُونَ الزِّيَادَةِ كَذَا فِي الشَّرْحِ وَلَوْ قِيلَ مَثَلًا: إنَّهُ يَدُلُّ أَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ فِي الْحَقِّ وَالظُّلْمِ لِمَا بَعْدَ الْحَدِيثِ عَنْ إفَادَةِ ذَلِكَ (وَلَا يُخْرَجُ) مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ فِي الصَّدَقَةِ (هَرِمَةٌ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْكَبِيرَةُ الَّتِي سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا (وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ مَعِيبَةُ الْعَيْنِ وَبِالضَّمِّ عَوْرَاءُ الْعَيْنِ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمَرَضُ، وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ مَفْتُوحَةً لِتَشْمَلَ ذَاتَ الْعَيْبِ فَيَدْخُلَ مَا أَفَادَهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد «وَلَا يُعْطِي الْهَرِمَةَ وَلَا الدَّرِنَةَ وَلَا الْمَرِيضَةَ وَلَا الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ وَلَا أَمَرَكُمْ بِشَرِّهِ» انْتَهَى.
وَالدَّرَنَةُ الْجَرْبَاءُ مِنْ الدَّرَنِ الْوَسَخِ وَالشَّرَطُ اللَّئِيمَةُ هِيَ أَرْذَلُ الْمَالِ وَقِيلَ: صِغَارُهُ وَشِرَارُهُ، قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ (وَلَا تَيْسٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَّدِّقُ) اُخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ بِالتَّشْدِيدِ وَأَصْلُهُ الْمُتَصَدِّقُ أُدْغِمَتْ التَّاءُ بَعْدَ قَلْبِهَا صَادًا وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَالِكُ وَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى الْآخَرِ وَهُوَ التَّيْسُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِلْإِنْزَاءِ فَهُوَ مِنْ الْخِيَارِ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يُخْرِجَ وَيُحْتَمَلُ رَدُّهُ إلَى الْجَمِيعِ، وَيُفِيدُ أَنَّ لِلْمَالِكِ إخْرَاجَ الْهَرِمَةِ وَذَاتِ الْعَوَارِ إذَا كَانَتْ سَمِينَةً قِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِنْ الْوَسَطِ الْوَاجِبِ وَفِي هَذَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْمُفَرِّعِينَ، وَقِيلَ: إنَّ ضَبْطَهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالْمُرَادُ بِهِ السَّاعِي فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ الِاجْتِهَادَ فِي نَظَرِ الْأَصْلَحِ لِلْفُقَرَاءِ وَأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فَتُقَيَّدُ مَشِيئَتُهُ بِالْمَصْلَحَةِ فَيَعُودُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجَمِيعِ عَلَى هَذَا وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْغَنَمُ مُخْتَلِفَةً فَلَوْ كَانَتْ مَعِيبَةً كُلَّهَا أَوْ تُيُوسًا أَجْزَأَهُ إخْرَاجُ وَاحِدَةٍ، وَعَنْ الْمَالِكِيَّةِ يَشْتَرِي شَاةً مُجْزِئَةً عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَهَذِهِ زَكَاةُ الْغَنَمِ وَتَقَدَّمَتْ زَكَاةُ الْإِبِلِ وَتَأْتِي زَكَاةُ الْبَقَرِ.
وَأَمَّا الْفِضَّةُ فَقَدْ أَفَادَ الْوَاجِبُ مِنْهَا قَوْلُهُ (وَفِي الرِّقَةِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ وَهِيَ الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ (رُبُعُ الْعُشْرِ) أَيْ يَجِبُ إخْرَاجُ رُبُعُ عُشْرِهَا زَكَاةً وَيَأْتِي النَّصُّ عَلَى الذَّهَبِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) أَيْ الْفِضَّةُ (إلَّا تِسْعِينَ) دِرْهَمًا (وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا) كَمَا عَرَفْت وَفِي قَوْلِهِ تِسْعِينَ وَمِائَةً مَا يُوهِمُ أَنَّهَا إذَا زَادَتْ عَلَى التِّسْعِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute