٥٦٢ - «وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مَعَافِرِيًّا». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَاللَّفْظُ؛ لِأَحْمَدَ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَشَارَ إلَى اخْتِلَافٍ فِي وَصْلِهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
وَالْمِائَةِ قَبْلَ بُلُوغِ الْمِائَتَيْنِ: أَنَّ فِيهَا صَدَقَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ عَقْدٍ قَبْلَ الْمِائَةِ وَالْحِسَابُ إذَا جَاوَزَ الْآحَادَ كَانَ تَرْكِيبُهُ بِالْعُقُودِ كَالْعَشَرَاتِ وَالْمِئِينَ وَالْأُلُوفِ فَذَكَرَ التِّسْعِينَ لِذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ زَكَاةِ الْإِبِلِ قَدْ أَشَرْنَا إلَى أَنَّهُ يَأْتِي بِقَوْلِهِ (وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ) وَقَدْ عَرَفْت فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ الْعِدَّةَ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الْجَذَعَةُ (وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ) أَيْ فِي مِلْكِهِ (وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ) عِوَضًا مِنْ الْجَذَعَةِ (وَيَجْعَلُ مَعَهَا) أَيْ تَوْفِيَةً لَهَا (شَاتَيْنِ إنْ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا) إذَا لَمْ تَتَيَسَّرْ لَهُ الشَّاتَانِ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ هُوَ جَبْرُ التَّفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْحِقَّةِ وَالْجَذَعَةِ (وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ) الَّتِي عَرَفْت قَدْرَهَا (وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ) وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً عَلَى مَا يَلْزَمُهُ فَلَا يُكَلَّفُ تَحْصِيلُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ (وَيُعْطِيهِ الْمُصَّدِّقُ) مُقَابِلَ مَا زَادَ عِنْدَهُ (شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا) كَمَا سَلَفَ فِي عَكْسِهِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي قَدْرِ التَّفَاوُتِ فِي سَائِرِ الْأَسْنَانِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ كُلِّ سِنَّيْنِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ. وَذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ زِيَادَةُ فَضْلِ الْقِيمَةِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَوْ رَدُّ الْفَضْلِ مِنْ الْمُصَّدِّقِ وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى التَّقْوِيمِ قَالُوا بِدَلِيلِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ شَاةٌ وَمَا ذَلِكَ إلَّا أَنَّ التَّقْوِيمَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَيَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى التَّقْوِيمِ.
وَقَدْ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ أَوْرَدَ حَدِيثَ أَبِي بَكْرٍ فِي بَابِ أَخْذِ الْعُرُوضِ مِنْ الزَّكَاةِ وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ مُعَاذٍ؛ لِأَهْلِ الْيَمَنِ " ائْتُونِي بِعَرْضِ ثِيَابِكُمْ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ؛ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ " وَيَأْتِي اسْتِيفَاءُ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute