وإن كان يقصد أن القرآن لم يُشر إلى أن وجه إعجازه مأخوذ من السمات
البلاغية التي فيه - وهذا بعيد كذلك - فإنه أشد وقوعاً في الوهم، لأن القرآن لم يقل أن وجه إعجازه كذا.
وإن كان يريد أن ليس في آيات القرآن ما يشير إلى امتداح الكلام البليغ -
وهذا ممكن إرادته - فإنه قصور من الكاتب.
لأن في القرآن الكريم آية هى أظهر ما تكون امتداحاً للقول من جهة بلاغته. ألم يقل سبحانه لرسوله عليه السلام: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (٦٣) .
والخلاصة. . إن وجدى قد بالغَ في نفى أن يكون للبلاغة دور في الإعجاز،
وبالغَ في إثبات رأيه في أن القرآن معجز لأنه روح من الله. . لأننا لو جاريناه
على رأيه فمن أين تُدَرك هذه الروح؟ أليست من خلال كلام وأسلوب ونظم. .
أم تُدَرك من الفراغ؟
رابعاً - الإعجاز لا يمكن وصفه:
هذا رأى اثنين من العلماء: أبو يعقوب السكاكى، وأبو حيان التوحيدى.
فقد قال السكاكى: " إن إعجاز القرآن يُدرَك ولا يمكن وصفه، كاستقامة
الوزن تُدرَك ولا يمكن وصفها، وكالملاحة. كما يُدرَك طيب النغم العارض لهذا الصوت. ولا يدرَك تحصيله لغير ذوى الفطرة السليمة. إلا بإتقان علمي المعانى والبيان والتمرين فيهما ".
وقال أبو حيان التوحيدى: " سُئِل بندار الفارسى عن موضع الإعجاز من
القرآن فقال: هذه مسألة فيها حيف وذلك أنه شبيه بقولك: ما موضع الإنسان من الإنسان؟ فليس في الإنسان موضع من الإنسان. .
بل متى أشرت إلى جملته فقد حققته. ودللت على ذاته. كذلك القرآن لشرفه لا يُشار إلى شيء منه