قال الحافظ: "وأجيب بأن الاحتجاج به من كون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر عليه إيقاع الثلاث مجموعة، فلو كان ممنوعاً لأنكره ولوقعت الفرقة بنفس اللعان". قلت: ولا يخفى على الفقيه المنصف ضعف هذا الجواب؛ لأن عدم إنكاره - صلى الله عليه وسلم - إنما هو في اللعان الذي به وقعت الفرقة، فالطلاق في هذه الحالة لا تأثير له، حتى ولو كان طلقة واحدة مشروعة، فالدعوى أعم من الدليل، فهي فاسدة. قال ابن القيم في "الزاد" (٤/ ٨٣): "لأن هذا النكاح لم يبقَ سبيلٌ إلى بقائه ودوامه، بل هو واجب الإزالة، ومؤبد التحريم، فالطلاق الثلاث مؤكد لمقصود اللعان ومقرر له، فما من غايته أن يحرمها عليه حتى تنكح زوجاً غيره، وفرقة اللعان تحرمها عليه على الأبد، ولا يلزم من نفوذ الطلاق في نكاح قد صار مستحق التحريم على التأبيد نفوذه في نكاح قائم مطلوب البقاء والدوام، ولهذا لو طلقها في هذا الحال وهي حائض أو نفساء، أو في طهر جامعها فيه؛ لم يكن عاصياً؛ لأن هذا النكاح مطلوب الإزالة مؤبد التحريم". قلت: وأما ما وقع عند أبي داود من طريق عياض بن عبد الله الفهري عن ابن شهاب عن سهل قال: "فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنفذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"؛ فهو منكر؛ لأن الفهري هذا لا يحتج به إذا تفرَّد، قال أبو حاتم: "ليس بالقوي"، وقال الحافظ في "التقريب": "فيه لين".