للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأبيَضَ يُستسقَى الْغمامُ بوَجههِ ... ثِمالُ اليَتامى عِصمةٌ للأرامِلِ

وهو قوْلُ أَبي طالبٍ.

٥١١ - عن أَنسٍ أنَّ عُمرَ بنَ الخطابِ رضي الله عنه كانَ إذا قحَطوا استَسقى بالعبَّاسِ بنِ عبدِ المطَّلبِ فقالَ:

اللهمَّ إنا كنَّا نتَوسلُ إليكَ بنبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - فتَسقِينا، وإنا نتَوسلُ إليكَ بعمِّ نبيِّنا فاسْقِنا؟ قالَ: فيُسقَوْنَ (٢).


(٢) قلت: في أول الحديث زيادة مفيدة عند الإسماعيلي بإسناد البخاري إلى أنس قال: "كانوا إذا قحطوا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقوا به، فيستسقي لهم فيسقون، فلما كان في أمارة عمر .. " فذكر الحديث.
قلت: فاستسقاؤهم به - صلى الله عليه وسلم - إنما هو طلبهم منه - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو الله لهم أن يسقيهم، بدليل قولهم: فيستسقي لهم؛ أي يطلب لهم ذلك من الله فيسقيهم، وقصة أنس المتقدمة في "الجمعة" أوضح مثال عملي على الصورة الحقيقية لاستسقائهم وتوسلهم به - صلى الله عليه وسلم - في السقيا. وكذلك كان استسقاء عمر بالعباس، لم يكن استسقاؤه بذاته، وإنما بدعائه، ويؤيده حديث ابن عباس: "أن عمر استسقى بالمصلى، فقال للعباس قم فاستسق، فقام العباس فقال:
اللهم إن عندك سحاباً .. " إلخ الدعاء. أخرجه عبد الرزاق (٤٩١٣) بإسنادٍ واهٍ، سكت عليه الحافظ؛ ولعله لشواهده.
إذا تبين هذا فإن الحديث ليس فيه دليل على جواز التوسل بالميت، لأن مداره على التوسل بدعاء الحي، وهذا لا يمكن بعد وفاته، وهذا هو السبب الذي جعل عمر يتوسل بالعباس دون النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس هو من باب التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل كما زعموا. ومما يؤيد ذلك أن أحداً من السلف لم يستسق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته، وإنما استسقوا بالأحياء كما فعل الضحاك بن قيس رضي الله عنه حين استسقى بيزيد بن الأسود الجرشي في زمن معاوية رضي الله عنه.
وأما ماروى ابن أبي شيبة أن رجلاً جاء إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في زمن عمر فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتي الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر .. الحديث. فلا يصح إسناده، خلافاً لما فهم بعضهم من قول الحافظ في "الفتح": " .. بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمّان عن مالك الدار"، فإن إسناده صحيح إلى أبي صالح، وأما من فوقه فليس كذلك، لأن مالكاً هذا لم يوثقه أحد فيما عَلمت، وبيض له ابن أبي حاتم (٤/ ١/٢١٣)، والرجل المستسقي لم يسمّ، فهو مجهول، وتسمية سيف إياه في كتابه "الفتوح" ببلال بن الحارث المزني أحد الصحابة، لا شيء لأن سيفاً هذا، وهو ابن عمر التميمي الأسدي، قال الذهبي: "تركوه، واتهم بالزندقة"! ثم رأيت ابن حبان قد وثق مالك الدار هذا (٥/ ٣٨٤)، وتساهله معروف، فإن ثبت توثيقه فالعلة جهالة الرجل. وقد تكلمت على التوثيق المذكور في كتابي "تيسير انتفاع الخلان بثقات ابن حبان".

<<  <  ج: ص:  >  >>