خَرَج، فقالَ: ذَكَرْتُكَ له فصَمَتَ، فانصرفتُ؛ حتى جلستُ مع الرَّهْطِ الذين عند المنبرِ، ثم غَلَبَني ما أجِدُ، فجئتُ، فذكر مثله، فجلستُ مع الرهط الذين عند المنبر، ثم غلبني ما أجد، فجئتُ الغلامَ، فقلتُ: استأذِنْ لعمرَ، فذكَرَ مثلَهُ، فلما ولَّيْتُ منصرفاً فإذا الغلامُ يدعوني، قال: أذِنَ لك رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فدَخَلْتُ عليهِ، فإذا هو مُضْطَجِعٌ على رمالِ حَصيرٍ، ليس بينَه وبينَه فراشٌ، قد أثَّرَ الرمالُ بجَنْبِهِ، مُتَّكِىءٌ على وسادَةٍ من أدَمٍ، حَشْوُها ليفٌ، فسلَّمْتُ عليه، ثم قلتُ وأنا قائمٌ:[يا رسولَ اللهِ! أ] طلَّقت نساءَكَ؟ فرفَعَ بصَرَهُ إليَّ، فقالَ:"لا"، [فقلتُ: الله أكْبَرُ]، ثم قلتُ وأنا قائمٌ أستأنِسُ: يا رسولَ الله! لو رأيتني وكُنَّا- معشرَ قريشٍ- نغلِبُ النساءَ، فلما قَدِمْنا [المدينةَ] على قومٍ (وفي روايةٍ: إذا قومٌ) تَغْلِبُهم نساؤهُم، فذَكَرَهُ، فتبسَّمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثم قلتُ: لو رأيْتَني ودَخَلْتُ على حفصةَ فقلتُ [لها]: لا يَغُرَّنَّكِ أنْ كانت جارَتُك هي أوضأُ منكِ، وأحَبُّ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يريدُ عائشةَ- (وفي روايةٍ: فذكرت الذي قلتُ لحفصَةَ وأُمِّ سلمَةَ، والذي ردَّت عليَّ أمُّ سَلَمَةَ)، فتَبَسَّمَ [تبسِمةً] أُخرى، فجلسْتُ حين رأيتُهُ تبسَّمَ، ثم رفعتُ بصري في بيتِه، فواللهِ ما رأيت فيه شيئاً يَرُدُّ البصرَ، غيرَ أَهَبَةٍ (١٦) ثلاثةٍ [وإن عند رجليه قَرَظاً مَصْبُوباً]، فقلت: ادعُ الله فَلْيُوَسِّعْ على أُمَّتِكَ، فإنَّ فارِسَ والرومَ وُسِّع عليهم، وأُعْطوا الدنيا وهم لا يَعْبدونَ الله، [فجلسَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -]، وكانَ متكئاً، فقالَ: "أوَ في شكٍّ أنت يا ابنَ الخطابِ؟! [إنَّ] أولئك قومٌ عُجِّلَتْ لهُم طيِّباتُهم في
(١٦) جمع (إهاب): جلد غير مدبوغ. و (مصبوباً)، أي: مسكوباً. و (القرظ): شجر يدبغ به، وقيل: هو ورق السلم، يدبغ به الأدم، ومنه أديم مقروظ. كذا في "اللسان".