للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفر الآخرُ حتى أتى المدينةَ، فدخَلَ المسجِدَ يعدو، فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حين رآه،

لقد رأى هذا ذُعراً، فلما انْتَهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: قُتِلَ واللهِ صاحبي، وإني لمقتول، فجاءَ أبو بصيرٍ، فقال: يا نبيً اللهِ! قد- والله- أوفَى الله ذِمتَكَ، قد رَدَدْتَني إليهم، ثم أنجاني الله منهُم. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وَيْلُ أمه (٢٤)، مِسْعَرُ حربِ، لو كان له أحَد"، فلما سَمِعَ ذلك، عَرَفَ أنَّه سَيَرُدهُ إليهم، فخرج حتى أَتى سيفَ البحر (٢٥)، قالَ: ويَنْفَلِت منهم أبو جَندَل بنِ سُهيْلٍ، فلحق بأبي بصير، فجَعَلَ لا يَخْرُجُ من قريش رجُل قد أسلَمَ إلا لَحِقَ بأبي بصيرٍ، حتى اجتمعت منهم عِصابة، فواللهِ ما يسمعونَ بعِيرٍ خرجَتْ لقريشٍ إلى الشامِ إلا اعْتَرَضوا لها، فقَتَلوهُم، وأخذوا أموالَهُم، فأرَسَلَتْ قريش إلى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تُناشِدُه باللهِ والرحِم لما أرْسَلَ (٢٦)،

فمَن أتاهُ فهو آمِن، فأرسَلَ النبيُ - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فانزَلَ الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} حتى بلغ: {الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ}، وكانت حَمِيًتُهُم أنهم لم يُقِروا أنه نبيُ اللهِ، ولم يُقِروا ب {بسمِ اللهِ الرحْمنِ الرحيمِ}، وحالوا بينَهم وبينَ البيتِ.


(٢٤) هي كلمة ذم تقولها العرب في المدح، ولا يقصدون معنى ما فيها من الذم؛ لأن الويل: الهلاك.
(مسعر حرب): قال الحافظ: أصله من مسعر حرب، أي: يسعرها.
قال الخطابي: كأنه يصفه بالاقدام في الحرب والتسعير لنارِها، (لو كان له أحد): أي ينصره ويعاضده ويناصره. وفيه إشارة إليه بالفرار لئلا يرده إلى المشركين.
(٢٥) أي: ساحله.
(٢٦) أي: ألا أرسل: يعني إليهم كما في رواية أحمد، أي: إلى أبي بصير وعصابته، وزاد ابن إسحاق في "السيرة" (٣/ ٣٣٨): "فآواهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدموا عليه المدينة".

<<  <  ج: ص:  >  >>