للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثاني: أن الطلب قد يتحقق بدون الإرادة؛ وذلك لأنه قد يجتمع مع كراهته، ويستحيل أن تجتمع إرادته مع كراهته؛ فالأمر غير الإرادة.

وبيان ذلك: أنَّ السيد الذي لامه السلطان على ضرب عبده إذا اعتذر (إلى السلطان) عنه بتمرد العبد وعصيانه عن امتثال أوامره، وكذَّبه السلطان، فأراد إظهار صدقِه بالتجربة - فإنه إذا أمره بشيء عند السلطان لا يريد ذلك الفعل قطعًا؛ لاستحالة أن لا يريد تمهيد عذره حالة كونه مريدًا له، فإنه ما أمره إلا لتمهيد عذره، وفي إرادة فِعْله عدمُ إرادة تمهيد عذره فيستحيل إرادته؛ ولأن العاقل لا يريد (١) ما فيه مضرته (٢) مِنْ غير ضرورة ملجئة إليه (٣).

وهذا الدليل كما يدل على أن الأمر غير الإرادة كذلك يدل على أنهُ غير مشروط بها.

وقد اعترض على هذا الدليل بوجهين:

أحدهما: أنا لا نسلم أنه وُجد الأمر في الصورة المذكورة وإنْ كانت صورتُه صورةَ الأمر، والصورة لا توجب أن يكون أمرًا حقيقيًا كما في التهديد (٤).


(١) في (ت): "للسلطان".
(٢) في (ص): "مضرة".
(٣) فالسيد لو أراد تحقيق طلبه وأمْره لكان مريدًا مضرة نفسه، وهذا محال؛ لأن إضرار النفس بغير ضرورة ملجئة لا يصدر من العقلاء.
(٤) فالأمر بدون الإرادة ليس أمرًا حقيقيًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>