للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن عجيب عناية هذا الوالد بأبنائه أنه كان لا يَدَع أحدًا من أسرته ينام بعد منتصف الليل، فغاية النوم إلى المنتصف، وما بعده فهو للجد والعمل في طلب العلم، أو في العبادة والمناجاة وقضاء الليل تسبيحًا وتهليلًا وتلاوة للقرآن.

يقول التاج رحمه الله: "وكان ينهانا عن نوم النصف الثاني من الليل، ويقول لي: يا بنيَّ تَعَوَّدِ السهرَ ولو أنك تَلْعَب، والويل كلُّ الويل لمَنْ يراه نائمًا وقد انتصف الليل" (١).

أما شيوخ التاج - رحمه الله - الذين أخذ عنهم واستفاد منهم فهم كثير ومُقَدَّمهم ورئيسهم والده رحمه الله، فبه تخرج في أكثر العلوم، وكان ذلك بلا شك من سعادته وتيسير الله له أسباب النبوغ والعلم والتمكن، أن يكون والده إمامه، وشيخه ومعلِّمه، ومربيه ومهذِّبه، مع ما تميز به الابن من مواهب ربانية، وعطايا رحمانية، فها هو الابن عبد الوهاب وهو لا يزال فتىً غضًا تلتفت إليه الأنظار، وتنعقد عليه الآمال، ويتوسم فيه أشياخه النبوغ والوصول، ولا غرابة فهذا الشبل من ذاك الأسد، وهذا الشهاب من ذلك الكوكب، {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} (٢). ولم يكتف بتتلمذه على والده، بل تتلمذ على مشاهير عصره، ولازمهم، ووالده من وراء ذلك يشجعه ويدفعه، ويسأله عما استفاد في دروسه وجلوسه مع شيوخه. استمع معي إلى حكايته لحاله في الطلب في أثناء ترجمته لشيخه المِزِّيِّ عليه الرحمة والرضوان:


(١) انظر: الطبقات ١٠/ ٢٠٣.
(٢) سورة آل عمران: ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>