للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: أن يكون أعظم مقصودًا من غيره، كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (١)، وقوله عليه السلام في البحر: "الحل ميتته"، فإن حقيقة اللفظ إضافةُ الحرمة والحل إلى نفس العين (٢)، كما ذهب إليه الكرخي (٣)، وهو عندنا باطل؛ إذ الأحكام عندنا إنما تتعلق بالأفعال


(١) سورة المائدة: الآية ٣.
(٢) أي: عين الميتة.
(٣) هذه النسبة إلى الكرخي - رحمه الله تعالى - غير صحيحة، فإن الكرخي لا يرى إضافة الحرمة والحل إلى نفس العين، ولذلك نُسب له قوله بأن النصوص التي يضاف فيها الحكم إلى الأعيان - مجملة، كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}، {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}، {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ}، ونحوها، وذلك لأنه لما كان إسناد التحريم أو التحليل إلى العين لا يصح؛ لأنه إنما يتعلق بالفعل، فلا بد من تقديره، وهو محتمل لأمور، ولا حاجة إلى جميعها، ولا مرجِّح لبعضها، فكان مجملًا. هذا هو المشهور عن الكرخي، كما في كثير من المصادر، ولكن نسب له صاحب كشف الأسرار (٢/ ١٠٦) أنه لا يقول بالإجمال، بل يُسنِد الحكم إلى الفعل المقصود، لا إلى مطلق الفعل؛ فلا يكون مجملًا. فمثلًا: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} المراد تحريم فعل مقصود معين، والعرف يدل عليه قطعًا، وهو تحريم الوطء والاستمتاع. وكذلك قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}، المراد تحريم أكلها، وعُرْف أهل اللغة يدل على المعنى المقصود المراد من مثل هذا الكلام، فلا إجمال. انظر: فواتح الرحموت ٢/ ٣٣، تيسير التحرير ١/ ١٦٦، المحصول ١ / ق ٣/ ٢٤١، نهاية الوصول ٥/ ١٨١٣، الإحكام ٣/ ١٢، المحلي على الجمع ٢/ ٥٩، البحر المحيط ٥/ ٦٩. والحاصل أن نسبة الشارح هذا القول - إضافة الحرمة والحل إلى العين - إلى الكرخي غير صحيحة قطعًا، بل الصواب أن القائلين بهذا هم بعض الحنفية كالبزدوي والسرخسي وغيرهما، إذ قالوا: بأن التحريم والتحليل المضافان إلى =

<<  <  ج: ص:  >  >>