للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذَكَر في الكتاب مِنْ أدلتنا على النسخ أوجهًا ثلاثة:

الأول: وهو دليل على الجواز فقط، أنَّ حكم الله تعالى إما أنْ يتبع المصالح، كما هو رأي المعتزلة (١)؛ فيلزم أن يتغَيَّر بتغير المصالح، فإنا على قَطْع بأن المصلحة قد تتغير بحسب الأشخاص والأوقات والأحوال. وإما أن لا يتبع المصالح (٢) - فله سبحانه وتعالى أن يحكم ما يشاء ويفعل ما


= الأسرار ٣/ ١٥٧ - ١٥٨، فواتح الرحموت ٢/ ٥٥، المعتمد ١/ ٣٧٥.
(١) ورأي الماتريدية أيضًا. انظر: فواتح الرحموت ٢/ ٥٦، تيسير التحرير ٣/ ١٨٢. والفارق بين رأي المعتزلة والماتريدية أن المعتزلة بنوا على هذا وجوبَ أمورٍ على الله تعالى، كوجوب الأصلح للعباد، ووجوب الرزق، ووجوب الثواب على الطاعة، ووجوب العِوَض في إيلام الأطفال والبهائم، ووجوب العقاب بالمعاصي إنْ مات مرتكبها بلا توبة. أما الماتريدية فقالوا: ما ورد به السمع من الكتاب والسنة مِنْ وعد الرزق، ووعد الثواب على الطاعة، وعلى ألم المؤمن، وعلى ألم طفله، حتى الشوكة يُشاكها - فإنما هو محض فضلٍ وتطول منه تعالى دون وجوبٍ عليه عز وجل، ولا بد من وجود ذلك الموعود؛ لوعده الصادق. وما لم يرد به دليل سمعي كتعويض البهائم عن آلامها - لم نحكم بوقوعه وإن جَوَّزناه عقلًا. وقد وافق أبو منصور الماتريدي وأكثرُ مشايخ سمرقند - المعتزلةَ في إثبات أحكام خاصة بمقتضى الحسن والقبح العقليين، أي: ثبوت تلك الأحكام قبل ورود الشرع، والتكليف بها. فقالوا: بوجوب الإيمان بالله ووجوب تعظيمه، وحرمة نسبة ما هو شنيع إليه تعالى كالكذب والسفه، ووجوب تصديق النبي عليه السلام، وحرمة الكذب الضار، وهذا هو معنى شكر المُنْعِم. وقال أئمة بخارى من الحنفية: لا يجب إيمان ولا يحرم كفر قبل البعثة، كقول الأشاعرة؛ إذ الطاعة والمعصية فرع الأمر والنهي. انظر: المسامرة في شرح المسايرة ص ٣٥ - ٤٥.
(٢) كما هو رأي الأشاعرة وعامة أهل الحديث؛ لأن الحسن عندهم ما حَسَّنه الشرع، والقبيح ما قَبَّحه، فالمنسوخ كان حسنًا في وقته، والناسخ صار حسنًا في وقته.=

<<  <  ج: ص:  >  >>