= انظر: تيسير التحرير ٣/ ١٨٢، الوصول إلى الأصول ٢/ ١٤، ٣٧ - ٣٨، كشف الأسرار ٣/ ١٦١، فتح الباري ١/ ٢٢٠ - ٢٢١. والحاصل أن المعتزلة والماتريدية عَلَّلوا أفعاله تعالى بالمصالح، فحيث وجدت المصلحة وُجد أمر الله تعالى. والأشاعرة لم يعلِّلوا أفعال الله تعالى، بل قالوا: له الإرادة المطلقة يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وحيث وُجد أمر الله تعالى وجدت المصلحة. فالمصلحة مقترنة بأمر الله تعالى عند الطرفين، لكن الفارق أن الأولين عللوا بها، وجعلوها سابقة، ومتبوعة لا تابعة. والآخرين وهم الأشاعرة جعلوها معلَّلة لا علة، وتابعة لا متبوعة، فَعِلَّةُ كونِ المصلحة مصلحةً أنها أَمْر الله تعالى، وعِلَّةُ كونِ المفسدة مفسدة أنها نَهْي الله تعالى. ومن أجل هذا كانت العلة عند المعتزلة: هي الباعث على الحكم. وعند الأشاعرة هي الأمارة على الحكم. فليس هناك فرق بين القولين من الناحية الأصولية؛ إذ المصلحة مقارنة لجميع أحكام المولى تعالى، لكن الفارق بين القولين عَقَديٌّ، وهو أنه هل يجوز أن تعلَّل أفعال الله تعالى أو لا يجوز؟ فمن عَلَّل وَرَد عليه أن الله تعالى لا يجب عليه شيء، ولا يَحْكُمُ أمرَه شيء، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، والتعليل يعني كونه تعالى محكومًا بغيره، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا. قال تعالى: {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}، فجعل سبحانه وتعالى إهلاك المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام وأمه عليها السلام ومن في الأرض جميعًا - أمرًا لو شاءه جل وعلا لفعله، ومعناه: أنه تعالى ليس بظالم لهؤلاء؛ لأنهم ملك له تعالى يفعل فيهم ما يشاء، ولكنه تعالى لم يشأ إهلاك هؤلاء، ولا يُلزمه شيءٌ على عدم إهلاكهم، ولكنه تعالى بمحض اختياره وإرادته شاء بقاءهم. وقِسْ على هذا. ومن لم يعلِّل أفعال الله تعالى نظر إلى ما سبق ذِكْره من مطلق إرادته ومشيئته التي لا يحكمها شيء، والتي لا تفارقها المصلحة والحكمة مطلقًا، فكل أفعاله تعالى حِكَم ومصالح، ولكن المصالح فَرْعُ أمرِه وفِعْلِه، لا أن أمْرَهُ وفِعْلَهُ فَرْعٌ لها. يقول العلامة مصطفى صبري في كتابه "موقف العقل والعلم من رب العالمين": "أما القول باستلزام كون أفعال الله عبثًا واتفاقًا إذا لم تعلَّل بالأغراض والعِلَل =