للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يريد (١).

والثاني: أن نبوة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ثبتت بالبراهين القاطعة، التي لا يقبلها شك، ولا يداخلها ريب، وقد نَقَل لنا عن الله تعالى أنه قال: {مَا


= الغائية - فوهم محض، منشؤه كون القائلين بهذا يقيسون الله تعالى على أنفسهم، أي: على الإنسان الذي لا يعمل إلا بالمرجِّح والعلة الغائية، فإذا لم يعمل بذلك يكون فِعْله عبثًا واتفاقًا. وكان حَسْبُهم في التنبه لخطئهم في هذا القياس: أن يعلموا أن الله تعالى لا يحتاج إلى التأمل والتفكر، في حين أن أصحاب الرويَّة من البشر العاملين بالمرجِّح والعلة الغائية يعملون بهما من حيث إنهم في حاجة إلى التفكر في عواقب أفعالهم. فنَفْيُ التعليل من أفعاله تعالى معناه: أنه لا يبني أفعاله عليهما؛ لأن ذلك شأن المفكِّرين في عواقب الأمور الذي يجب تنزيه الله تعالى عنه، ولا ينافيه أنّ أفعاله تعالى لا تخلو عن الحِكَم والمصالح من غير بنائها عليها، لكنها لا يُعَبَّر عنها بالعِلَل الغائية؛ لأن العلة الغائية ما يبني الفاعل فِعْلَه عليه في ذهنه ويفكِّر فيه قبل الإقدام على الفعل، ومن هنا قلنا: الحكمة تتبع أفعاله، ولم نقل أفعالُه تتبع الحكمة. . ." إلى أن قال: "وخلاصة القول: أن أفعاله تعالى تصدر عنه من غير تفكير في عواقبها، كما نفكر نحن البشر. وعدم التفكير هذا مقتضى كماله تعالى، في حين أنَّ كمالنا في التفكير، وليس كمثله شيء. فإن اعترض معترض: بأن الله تعالى يَعْلم عواقب أفعاله من غير تفكير، فبهذا العلم يكون قد عَلَّل أفعال نفسه. قلنا: ليس العلم بالعواقب والغايات تعليلًا منه تعالى لأفعاله بها، إنما التعليل: بناءُ أفعاله عليها في عِلْمه قبل فِعْلها. وهذا هو التفكير في العواقب بعينه، وهو ما لا يستطيع القائل بالتعليل إنكاره، تعالى الله عنه. ونحن ننفي التعليل بالغايات، لا الغاياتِ ولا العلم بها. فخذ هذا الفرق الدقيق منا، كما أخذناه مِن توفيق الله. . .".
(١) أي: فله أن يحرم في وقت، ثم ينسخ هذا التحريم، وهكذا، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>