للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس كقولك لمن لا يفهم: افهم. فإن أهلية ثبوت الأحكام في الذمة تستفاد من الإنسانية التي بها يَستعد لقبول قوة العقل، الذي (به قوة) (١) فَهْم التكليف في ثاني الحال، حتى إن البهيمة لما لم يكن لها قوةُ فهمِ الخطاب بالفعل، ولا بالقوة - لم تتهيأ لإضافة الحكم إلى ذمتها، بخلاف النطفة التي في الرحم إذْ ثبت لها الملك بالإرث والوصية، والحياة غير موجودة بالفعلِ، ولكن بالقوة. وكذا الصبي مصيره إلى العقل فصح إضافة الحكم إلى ذمته، ومطالبته في ثاني الحال، ولم يصلح للتكليف في الحال.

فإن قلت: لو انتفخ ميت وتكسَّر بسبب انتفاخه قارورةٌ - فينبغي إيجاب ضمانها، كالطفل يسقط على قارورة.

قلت: يحتمل أن يُقال بذلك، وأن يُطَالَب به الورثة، كما يجب الضمان على العاقلة، والفعل لم يصدر منهم. ولكن قال الأصحاب: لا يجب، وفرقوا بينه وبين الطفل بأن للطفل فِعْلًا بخلاف الميت، وإيجاب الضمان على من لا فعل له غيرُ معقول، وهو متجه.

فإن قلت: فالصبي المميز يفهم الخطاب فلِمَ منَعْتَ تكليفَه!

قلت: العقل لا بمنع منه، ولكن الشرع رفع ذلك عنه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "رفع القلم عن ثلاث" (٢) الحديث. وقد قال البيهقي: "إن الأحكام إنما نيطت


(١) سقطت من (ت)، وفي (غ)، و (ك): "به". والمعنى فيهما صحيح.
(٢) أخرجه أبو داود في السنن ٤/ ٥٥٨، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدًّا، رقم ٤٣٩٨. والنسائي ٦/ ١٥٦، كتاب الطلاق، باب من لا يقع طلاقه من الأزواج، رقم ٣٤٣٢. وابن ماجه في السنن ١/ ٦٥٨، كتاب الطلاق، باب طلاق المعتوه والصغير والنائم، رقم ٢٠٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>