للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم في الصباح، توجه السيد بركات والأميران أيضا إلى أعلا مكة، وأمروا بحفر خندق عند مسجد الراية وما يليه من سوق الليل، ونودي في الليل للترك، وأهل مكة يعسون، وأظنهم اجتمعوا وعسوا إلى يوم الثلاثاء، ثامن عشر الشهر، ووصل الخبر للشريف بركات أن الشريف جازان وصل هو وعسكره إلى العقيشية، وهي ساعة من مكة (١)، فتحزب الشريف، والأمراء، والأتراك، وأهل البلاد، وكان قدم في هذه الأيام جملة من العربان، فخرجوا بأجمعهم وقت الظهر إلى الخنادق التي بالمسفلة، وجلسوا هناك، وأفطر كثير من الناس، وباتوا هناك بعد أن عاد الأكثر إلى مكة، وعادوا بالليل والصباح.

فلما كان في أوائل النهار، يوم الأربعاء، ثالث عشري الشهر، وصل الخبر أيضا أنهم أقبلوا، ثم جاءوا حتى بزملهم خلفهم، وأوقفوا زملهم في بركة الماجن، وجاءوا إلى أن وصلوا إلى قريب البيوت فساقوا، فصاح عليهم الناس من كل جهة، وتراموا بالنشاب والحصى، والبندق، فلم يجدوا مجالا، ولم يخرج لهم أحد، إلا المحتسب أبا يزيد قانصوه الفاجر، أحد المقدمين على خيلهما، والأمير بكتمر ماشي على قدميه، وكذا أخوه الظاهر قانصوه وغيرهما، وردهم الباش بالنشاب والحصى وتقرب بعضهم، فاقتلع بكتمر بقنطاريته (٢) ثلاثة أو أكثر، قتل أحدهم، وهو أحمد بن حرام من بني خالد خصيص الشريف جازان، فأخذ درعه وخوذته ولبسهما وركب فرسه، وهي من


(١) إن أهل مكة كانوا يشاركون الشريف بركات ضد أخيه جازان ويؤيدونه نتيجة لاستيائهم من جازان لتعسفه. ريتشارد مورتيل: الأحوال السياسية والاقتصادية بمكة في العصر المملوكي، ص ١٦٧.
(٢) القنطارية: نوع من السلاح يكون مدهونا ومذهبا، وقيل من الرماح كان يستعمله الصليبيون. ماير: الملابس المملوكية، ص ٨٣. محمد قنديل البقلي: التعريف بمصطلحات صبح الأعشى، ص ٢٧٧.