وفي ليلة رابع عشري الشهر وصل الأمير خير بك المعمار من عمارة العين ودخلت العين مكة، ويقال: أنه دخلها سيل واستمر ذلك أياما والله يديمه، واجتمع الأمير والقضاة وبعض الفقهاء والتجار ببيته وأمر بكتابة محضر فشرع في ذلك.
وفي آخر يوم عشري الشهر ماتت سعادة بنت أبي السعود بن علي بن الجمال المصري المكي، وصلى عليها ثاني يومه بعد صلاة الصبح عند باب الكعبة، ودفنت بالمعلاة عند سلف زوجها عمر بن الشيخ أبي حامد بن عمر المرشدي، وهي والد جاءت بصبي وماتت بعده بأيام.
وفي يوم السبت تاسع عشري الشهر اتفقت حكاية بشعة لقاضي القضاة المالكي مع الأمير الباش خير بك، سببها أن الأمير حريص على كتابة محضر بما فعل في العين وأنها وصلت لمكة يرسله للسلطان فكتب وتواعدوا على أن يكتب فيه القضاة، وفي هذا اليوم فعزم على المالكي بعض صهورته في التوجه لمنى فبدا بالتوجه للأمير إلى بيته صباحا فقيل له توجه لمنى فأرسل له دويداره وغيره معه فعاد معهم لمكة فوجده عند العمال الذين ينظفون ببركة الصارم، فتوجه إليه فلما لاقاه لكمه في صدره مرة أو مرتين وأساء عليه إساءة بليغة وهو حينئذ على العمال الذين يشتغلون ببركة الصارم يحفرون بها ويخرجون منها التراب فإنها امتلأت بالتراب، ثم أمر به في الترسيم فنزل معه الدويدار وقواسه ماشين إلى أثناء الطريق، ثم ركب هو والدويدار إلى بيته وتوجه معهم إلى بيت الأمير وهو بقاعة كاتب السر الكبرى فوجده سبقه فأساء عليه ثانيا إساءة بليغة، وصار في بعضها يخلط معه القضاة فأمر به في الترسيم في القاعة الثانية، فسمع القضاة ومنهم القاضي نور الدين بن الضياء الحنفي لكنه لم يجيء إلا أخيرا فتوجهوا إلى الأمير إرسالا سألوه في إطلاقه فأجاب، فبالغ معه القاضي نور الدين في خلعه فألبسه صوفا مغريا بمقلب فتوجه لبيته ومعه القضاة والفقهاء، ثم توجه بعد ذلك هو والقاضي نور الدين إلى الأمير فوجدوه يتغدى فأكلا معه ثم توجها من عنده للقاضي الشافعي فإنه أظهر تحزنا وتأثرا وكانا لم يتصافيا.