للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الجلوس مع الزوجة والتحدث إليها ومشاورتها]

إن كثيراً من الأزواج كثير الترحال، كثير الخروج، كثير الارتباطات، بل سمعنا عن الكثير منهم أنه يخرج للبراري والاستراحات كل يوم وليلة، بل سمعنا عن بعض الأزواج أنه يسهر كل ليلة إلى ساعات متأخرة من الليل.

فأي حياة هذه؟! وأين حق الزوجة وحق الأولاد والجلوس معهم؟! وانظر مثالاً لهذا الفن في الجلوس مع الزوجة والحديث معها، حديث أم زرع الطويل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع لـ عائشة تحكيه، قال ابن حجر: وفيه -أي: هذا الحديث من الفوائد- حسن عشرة المرء أهله بالتأنيس والمحادثة بالأمور المباحة ما لم يفض ذلك إلى ما يمنع.

اهـ.

استشارة الزوجة والشكاية لها يشعرها أيضاً بقيمتها وحبها، استشر المرأة ولو لم تكن أيها الأخ الحبيب بحاجة إلى مثل هذه المشورة؛ فإنك تشعر هذه الزوجة بقيمتها وحبك لها، ولن تعدم الرأي والمشورة أبداً -إن شاء الله عز وجل- فربما فتحت عليك برأي صائب كان السبب في سعادتك.

ومثال ذلك: انظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، فقد كان يستشير أزواجه، ومن ذلك استشارته صلى الله عليه وسلم لـ أم سلمة في صلح الحديبية عندما أمر أصحابه بنحر الهدي وحلق الرأس فلم يفعلوا؛ لأنه شق عليهم أن يرجعوا ولم يدخلوا مكة، فدخل مهموماً حزيناً على أم سلمة بخيمتها، فما كان منها إلا أن جاءت بالرأي الصائب: اخرج يا رسول الله! فاحلق وانحر، فحلق ونحر؛ فإذا بأصحابه كلهم يقومون قومة رجل واحد فيحلقون وينحرون.

وأيضاً انظر لاستشارته لـ خديجة رضي الله عنها في أمر الوحي، ووقوفها معه وشدها من أَزره رضوان الله عليها، هكذا المرأة فإنها معينة لزوجها إذا أشعرها زوجها بقيمتها.

ولذلك أقول: العلاقة بين الزوجين تنمو وتتأصل كلما تجددت ودارت الأحاديث بينهما، فالأحاديث وسيلة التعارف الذي يؤدي إلى التآلف، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) .

- مفتاح السعادة بيدك، فالحذر من تعود الصمت الدائم بينكما؛ فتتحول الحياة إلى روتين بغيض؛ كأنها ثكنة عسكرية فيها أوامر من الزوج وطاعة من الزوجة خذي هاتي كلي اشربي قومي اقعدي تعالي اذهبي نامي استيقظي ماذا تريدين متى تخرجين!! أُسطوانة مكررة مكروهة تجعل الحياة الزوجية بغيضةٌ باهتةٌ باردةٌ! فأين الحب واللطافة؟ وأين المودة والرحمة وما بينهما؟! أين الأحاديث الحسان منك أيها الرجل! عن جمال عيونها، وعذوبة ألفاظها، ورقة ذوقها، وحسن اختيارها للباسها؟! وأين كلمات الشكر والثناء عند الطبخ والغسل والكنس؟! وأين الحديث عن تربية الأولاد وصلاحهم؟ وأين الحديث عن هموم المسلمين ومشاكلهم؟ فيا أيها الرجل العاقل! إن من فن التعامل مع الزوجة أن تخصص وقتاً للجلوس معها تحدثها وتحدثك، وتفضي إليك بما في نفسها، بدلاً من أن تكبت ذلك الحديث الذي في نفسها، فاجعلها تفضفض بما يدور في نفسها بدلاً من ذلك الكبت والحبس الذي سيتضح جلياً على سلوكها وتصرفاتها، ثم ينعكس ذلك على أولادها وأعمالها وأشغالها، ثم ينعكس ذلك على تصرفاتها وسلوكها معك أنت كزوج.

أرأيت أيها الأخ الحبيب! إنك تملك مفتاح هذه السعادة وهذه المملكة الصغيرة بحسن تصرفاتك وأفعالك؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>