صورة ثانية مما في واقعنا: جلسوا مجلسهم، فبدأ الحديث، فذكروا زيداً وأن فيه وفيه، ثم ذكروا قولَ عمرو فأتقنوا فن الهمز واللمز، والعجيب أن معهم فلاناً الصالح العابد الزاهد، القائم الصائم، والأعجب أن من بينهم طالب العلم فلاناً الناصح الأمين، والحمد لله لم يتكلما وسكتا، ولكنهما ما سلما؛ لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس؛ ولأن المستمع شريك للقائل، ما لم يتبع المنهج الشرعي:(من رد عن عرض أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار) هذا هو المنهج الشرعي، (من رد عن عرض أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار) والحديث أخرجه أحمد والترمذي، وغيرهما من حديث أبي الدرداء، والحديث حسن بشواهده.
فيا أيها المسلم! إذا وقع في رجل وأنت في ملأ، فكن للرجل ناصراً وللقوم زاجراً، وانصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، وقل للمتحدث: أمسك عليك لسانك، فإن استاجبوا لك وإلا فقم عنهم {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ}[الحجرات:١٢] ؟! واسمع لكلام ابن الجوزي الجميل في تلبيس إبليس قال رحمه الله: وكم من ساكت عن غيبة المسلمين إذا اغتيبوا عنده فرح قلبه، وهو آثم بذلك من ثلاثة وجوه: أحدها: الفرح، فإنه حصل بوجود هذه المعصية من المغتاب.
والثاني: لسروره بثلب المسلمين.
والثالث: أنه لا ينكر.
انتهى كلامه رحمه الله.
ويقول ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى في الجزء الثامن والعشرين (صفحة ٣٢٧) يقول: ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى -وانتبه لهذا الكلام النفيس الجميل- تارةً في قالب ديانة وصلاح، فيقول: ليس لي عادة أن أذكر أحداً إلا بخير، ولا أحب الغيبة ولا الكذب وإنما أخبركم بأحواله، ويقول: والله إنه مسكين، أو رجل جيد ولكن فيه كيت وكيت، وربما يقول: دعونا منه، الله يغفر لنا وله، وإنما قصده استنقاصه وهضمه لجنابه، ويخرجون الغيبة في قوالب صلاح وديانة، يخادعون الله بذلك كما يخادعون مخلوقاً، وقد رأينا منهم ألواناً كثيرةً من هذا وأشباهه.