[الأسباب غير المباشرة]
أولاً: الاختلاف في وجهات النظر وطريقة سير العمل: فقد يؤدي الخلاف في الآراء والتصورات إلى اختلاف القلوب وجفوتها وامتلائها بالشحناء، فليس شرطاً -أخي الحبيب- أن يوافقك الناس بكل ما تريد: فإما أن توافقني وإلا فأنت عدوي! وأنت معي وإلا فأنت ضدي! خطأ أن نأخذ هذه القاعدة في حياتنا؛ لأن كل إنسان له وجهة نظر، المهم أن نتفق في الأصول، أما في الفروع والخلاف فيها، واختلاف وجهات نظر، وطريقة سير العمل هذا يدعو على كذا، وهذا يدعو على كذا، فهذا لا يدعي أبداً إلى أن نملئ قلوبنا بغضاً وحقداً وشحناءً على بعض -والعياذ بالله- بل ننصح أخانا وننبه على ما وقع فيه من خطأ، فهذا هو واجبنا، أما أن نظلمه فنحقد عليه ونهجره، فلا.
ذكر الذهبي في السير قال: قال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى! ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة؟!.
انظروا للنفوس! ألا يسعنا ما وسعهم؟! وقال أحمد بن حفص السعدي شيخ ابن عدي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس مازال يخالف بعضهم بعضاً.
هكذا كانوا رحمهم الله تعالى.
إذاً فالخلاف في المسألة الفرعية لا يفسد للود قضيةً أبداً، فقد كان يعذر بعضهم بعضاً فيقول: لعل له تأويلاً، ويقول: لعل ذلك الحديث لم يبلغه أو لم يصله، أو غير ذلك من الأعذار التي كانوا يبحثونها لبعضهم رحمهم الله تعالى.
ولذلك قال الذهبي في السير: مازال الأئمة يخالف بعضهم بعضاً ويرد هذا على هذا، ولسنا ممن يذم العالم بالهوى والجهل.
ثانياً: التنافس: ولاشك أن التنافس أمر محمود، لكنه قد يتعدى إلى الحسد والغل على الآخرين، خاصةً بين الأقران، ولذلك يقول الذهبي: استفق ويحك وسل ربك العافية، فكلام الأقران بعضهم في بعض أمر عجيب وقع فيه سادة، فرحم الله الجميع.
ويقول أيضاً: كلام الأقران يطوى ولا يروى.
ويقول أيضاً: كلام الأقران بعضهم في بعض يحتمل، وطيه أولى من بثه، إلا أن يتفق المعاصرون على جرح شيخ فيعتمد قولهم.
إذاً فالتنافس مطلوب، ولكن بطبيعة البشر قد يصل إلى قلب قرينك أو زميلك شيء من الحقد عليك، فانتبه لهذا الأمر! وليس هذا الكلام على إطلاقه، فهناك من الأقران من يهتم بقرينه بل ويفضله على نفسه، فهذا هشام بن يوسف يقول: كان عبد الرزاق أعلمنا وأحفظنا.
فهذه صورة جميلة لحال الأقران المنصفين، بل وهناك صور كثيرة ولله الحمد والمنة.
ثالثاً: التناصح: وكيف يكون التناصح سبباً للحسد والحقد؟! فبعض الناس لا يحتمل النصيحة، فيبدأ بالكيد للناصح والتفتيش عن عيوبه وبثها، مع أنك حرصت على أن تكون الوسيلة صحيحةً: بانفراد بينك وبينه، وبالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، ومع ذلك وجد في نفسه شيئاً عليك، ولا يزال يتحرى ويبحث عن أخطائك، حتى يرد الصاع صاعين.
رابعاً: التجارة والبيع والشراء والتعامل مع الآخرين: (ورحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى وإذا اقتضى) كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكره البخاري في باب السهولة والسماحة في البيع والشراء.