قال ابن المبارك رحمه الله تعالى: ما رأيت أحداً ارتفع مثل مالك، ليس له كثير صلاة ولا صيام إلا أن تكون له سريرة.
إذاً فالقضية ليست قضية كثرة صيام ولا صلاة، وإنما بالإخلاص والإخفاء في هذه الأعمال.
وقال ابن وهب: ما رأيت أحداً أشد استخفاء بعمله من حيوة بن شريح، وكان يعرف بالإجابة، أي: بإجابة الدعاء.
وقال يوسف بن حسين: أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي فكأنه ينبت على لون آخر.
واسمع لقوله رحمه الله: وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، فالاجتهاد في البعد عن الرياء والتسميع وطلب محمدة الناس وثنائهم أمر كانوا يعانون منه رحمهم الله تعالى.
وقال ابن القيم: أنفع العمل أن تغيب فيه عن الناس بالإخلاص، وعن نفسك بشهود المنة، فلا ترى فيه نفسك ولا ترى الخلق.
وقال الأخفياء رحمهم الله تعالى وصاحوا بملء أفواههم لمن لا يخلص نيته ولمن غفل عن هذا الأمر، صاحوا بقولهم كما يقول مالك بن دينار: قولوا لمن لم يكن صادقاً لا يتعنى.
فقولوا -أيها الأحبة- لمن لم يكن صادقاً بعمله ومخلصاً لعمله لله سبحانه وتعالى لا يتعنى، لا يتعب نفسه، فقد رأيتم وسمعتم أولئك الثلاثة وتلك الطاعات العظيمة التي أصبحت وبالاً على أصحابها فكانوا أول ثلاثة تسعر بهم النار يوم القيامة -والعياذ بالله-، فقولوا ورددوا وصيحوا بأعلى أصواتكم لمن لم يكن صادقاً في عمله وفي دعوته وفي أفعاله كلها لا يتعنى، لا يتعب نفسه!