فاعلم رحمني الله وإياك أن التوحيد هو: إفراد الله تعالى بالعبادة، وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده، بل هو أعظم سلاح يتسلح به المسلم، فهو سلاح العقيدة الصحيحة المستمدة من الكتاب والسنة وما عليه سلف هذه الأمة، فأصل ما تزكوا به القلوب والأرواح هو التوحيد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: ولهذا كان رأس الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وهي متضمنة عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه، وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله من الأولين والآخرين ديناً سواه.
انتهى كلامه رحمه الله.
فلا إله إلا الله هي كلمة التوحيد وهي الكلمة التي قامت بها الأرض والسماوات لا إله إلا الله فطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة، ونصبت القبلة، وجردت سيوف الجهاد لا إله إلا الله محض حق الله على جميع العباد، والكلمة العاصمة للدم والمال والذرية في هذه الدار، والمنجية من عذاب القبر ومن عذاب النار، والمنشور الذي لا يدخل أحد الجنة إلا به.
لا إله إلا الله الحبل الذي لا يصل إلى الله من لا يتعلق بصدده لا إله إلا الله كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، ينقسم بها الناس إلى شقي وسعيد، ومقبول وطريد، وانفصلت دار الكفر من دار الإيمان، وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان بلا إله إلا الله، وهي العمود الحامل للفرض والسنة (ومن كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) نسأل الله الكريم من فضله.
قال ابن القيم كلاماً جميلاً عن التوحيد في الفوائد، قال رحمه الله: التوحيد أشرف شيء وأنزهه وأنظفه وأصفاه، وأدنى شيء يخدشه ويدنسه ويؤثر فيه، فهو كأبيض ثوبٍ يكون، يؤثر فيه أدنى أثر، وكالمرآة الصافية جداً، أدنى شيءٍ يؤثر فيها ولهذا -وتنبهوا- تشوشه اللحظة واللفظة والشهوة الخفية، فإن بادر صاحبه وقلع ذلك الأثر بضده، وإلا استحكم وصار طبعاً يتعسر عليه قلعه.
إلى آخر كلامه رحمه الله.
وكثير من الناس يغفل عن حقيقة التوحيد، فيتصور أن التوحيد هو قول لا إله إلا الله فقط، أو أنه الاعتراف بربوبية الله فقط، يردد أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت، ويجهل شمولية هذه العقيدة لجميع جوانب الحياة، لذلك ربما تزعزعت عقيدة التوحيد في نفوس كثير من المسلمين، فلا إله إلا الله في كل صغيرة وكبيرة، ولا إله إلا الله في كل حركة وسكنة، لا إله إلا الله في البيت والمسجد والوظيفة والشارع وكل مكان، هنا -باختصار- يتبين لنا جميعاً أثر لا إله إلا الله على نفوسنا.