ثاني عشر: من الآثار: الإنصاف وتربية النفس على العدل: فمن أظلم الظلم أن يكون الله هو الذي أوجدك، فيخلق ويحسن الخلق، وينعم ويحسن الإنعام، ويتفضل سبحانه عليك بكل شيء {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}[النحل:١٨] ثم بعد ذلك كله نقابل ذلك بالنكران والجحود، فنجعل له نداً نمتثل لأمره ونحبه من دون الله، بل نخافه من دون الله، ونرجوه أو نرجو عنده الشفاء، بل ربما صُرف له شيء من العبادة من دون الله، فأين من يعبد الحجر؟ وأين من يطوف بالقبر؟ وأين من يتوسل بالضعفاء والمساكين؟ بل أين من يذهب للسحرة والمشعوذين؟ بل أين من ملكت الدنيا قلبه؟ سبحان الله! الذل والانكسار لأمثال هؤلاء، الطواف وصرف الأموال واللجوء والاستغاثات لهؤلاء، وتنصرفون عن الخالق -سبحانه وتعالى- الذي أنعم وقدر، وخلق وأحسن وتفضل عليك، أليس هذا هو الظلم العظيم؟ {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ}[الرحمن:٦٠] ؟ ولذلك كان أعظم ذنب عصي الله به هو الشرك بالله {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان:١٣] وكما قال الحق عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً}[النساء:٤٨] .
وفي بعض الآثار الإلهية أن الله عز وجل قال:(إني والجن والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري على العباد نازل، وشرهم إليّ صاعد، أتحبب إليهم بالنعم، ويتبغضون إلي بالمعاصي) وهذا واقع كثير من المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فانظر إلى من تعلق قلبه بالمال، وانظر لمن تعلق قلبه بالقبور، وبالأشجار والأحجار، وانظر إلى من تعلق قلبه بالنساء والشهوة، وانظر إلى من تعلق قلبه بالأموال والشهوات، كالمتعة الحرام والغناء والرياضة وغير ذلك، ملكت عليه قلبه -والله المستعان- انظر لمن تعلق قلبه بالصور، وربما أصبحت مثل هذه الوسائل أصناماً تعبد من دون الله، ليس شرطاً أن يسجد لها وأن يركع، فهو يغضب ويفرح لها، ويبكي لها ويحب ويعادي، ويبغض لها، أليست هذه صور من صور الشرك والله المستعان؟ ولله در ابن القيم رحمه الله وهو يقول في المدارج: فلا إله إلا الله كم في النفوس من علل وأمراض وحظوظ تمنع الأعمال أن تكون لله خالصة.