أخي! تعال نتعاتب فعجيب أمرك، إنك أخي وصفيي وصديق عمري، فكم ذهبنا وجئنا، وأكلنا وشربنا، ونمنا وقمنا وضحكنا وحزنا، فعرفتني وعرفتك، ثم فجأةً إذا بك تسمع كلام الناس فيّ، فتردد ما يقولون:
ولا خير في خل يخون خليله ويلقاه من بعد المودة بالجفا
ومنك وعيشاً قد تقادم عهده ويظهر سراً كان بالأمس قد خفا
واسمع لـ ابن الجوزي رحمه الله تعالى وهو يقول في صيد الخاطر (فصل: أين الخل الوفي؟) : كان لنا أصدقاء وإخوان أعتد بهم، فرأيت منهم من الجفاء وترك شروط الصداقة والأخوة عجائب، فأخذت أعتب ثم انتبهت لنفسي فقلت: وما ينفع العتاب، فإنهم إن صلحوا فللعتاب لا للصفاء، فهممت بمقاطعتهم، ثم تفكرت فرأيت الناس بين معارف وأصدقاء في الظاهر وإخوة للباطن، فقلت: لا تصلح مقاطعتهم إنما ينبغي أن ننقلهم من ديوان الأخوة إلى ديوان الصداقة الظاهرة، فإن لم يصلحوا لها نقلتهم إلى جملة المعارف وعاملتهم معاملة المعارف، ومن الغلط أن تعاتبهم فقد قال يحي بن معاذ: بئس الأخ أخ تحتاج أن تقول له اذكرني في دعائك.
انتهى كلام ابن الجوزي.
ويقصد هنا أنَّ الأصل أن الأخ يدعو لأخيه بدون أن يوصيه إن كان أخ صادق.
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب وإن كثرت في الأقاويل
ومن يطع الواشين لا يتركوا له صديقاً وإن كنت الحبيب المقربا
وأخيراً أقول لك:
لو لم تكن لي في العيون مهابة لم يطعن الأعداء فيّ ويقدحوا