أما الصيام أيها الأحبة! الصيام وما أدراك ما الصيام، العبادة التي اختصها الله لنفسه فقال:(إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) فلا يعلم جزاء الصائمين إلا الله، وإن غفر لهم ما تقدم من الذنوب، وإن اختصوا بالدخول للجنة من باب الريان، وإن باعد الله بينهم وبين النار سبعين خريفاً، وإن جاء الصيام شفيعاً لأصحابه يوم القيامة، فإن هذه وغيرها من ثمرات الصيام، أما جزاء الصائمين فلا يعلمه إلا الله.
قال ابن حجر: المراد بقوله وأنا أجزي به، أي أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته.
انتهى كلامه رحمه الله.
وقال المناوي:(وأنا أجزي به) إشارة إلى عظم الجزاء عليه وكثرة الثواب؛ لأن الكريم إذا أخبر بأنه يعطي العطاء بلا واسطة، اقتضى سرعة العطاء وشرفه.
انتهى كلامه رحمه الله.
كل هذه الفضائل للصوم وهي أخروية، فما بالك بثمراته وفوائده الدنيوية، ومع ذلك فإن بعض الناس وخاصةً من الصالحين والصالحات لا يعرف الصيام إلا في رمضان، يعتذر لنفسه تارةً بالعمل، وتارةً بالتعب، وتارةً بشدة الحر، فإذا برمضان الآخر أتى، وهكذا تذهب الأيام وتفنى الأعمار.
أخي الحبيب! صُمْتَ شهراً كاملاً متتابعاً، فهل تعجز عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر، أو يومي الإثنين والخميس؟! فاتق الله وكن حازماً مع نفسك عارفاً حيلها.
إن بعض الناس كلما هم أن يسمو إلى المعالي ختم الشيطان على قلبه: عليك ليل طويل فارقد، وكلما سعى في إقالة عثرته والارتقاء بهمته عاجلته جيوش التسويف والبطالة والتمني وعثَّرته، ونادته نفسه الأمارة بالسوء: أنت أكبر أم الواقع؟! قال ابن القيم -اسمع إلى هذه الكلمة الجميلة-: والنفس كلما وسعت عليها، ضيقت على القلب حتى تصير معيشته ضنكاً، وكلما ضيقت عليها وسعت على القلب حتى ينشرح وينفسح.
انتهى كلامه رحمه الله.
ورمضان يشهد بهذا، وما كنا نشعر به من رقة القلب واتصاله بالله سبحانه وتعالى.