فالأول: الإخلاص: وهو مسك القلوب وعماد الدين، مدار الفلاح كله عليه، أصل من أعظم الأصول، علمه خير علم، وفقهه هو الفقه كله، فيه رضا الرحمن وراحة القلوب ونجاة النفوس وعلو المنزلة في الدنيا والآخرة، وهو ركن العمل وأساسه.
والبيت لا يبتنى إلا بأعمدة ولا عماد إذا لم تبن أركان
إنه الإخلاص، صدق النية (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) .
اسمعها أخي! رددها، تأملها، أعدها، كررها:(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) .
سبحان الله! لا قيمة للعمل بدون نية، وليس لك إلا ما نويت، فلنتعلم إذاً النية فإنها أبلغ من العمل، لنتعلم النية فإنها تحول العادة إلى عبادة، ولما غابت النية أصبحت العبادة عادةً، جسداً بلا روح، فمن منا إذا أدى العبادة حمل هم قبولها من عدمه؟ قال مالك بن دينار: الخوف على العمل أن لا يقبل أشد من العمل.
فراجع حالك، واسأل نفسك أخي! كم هي الأعمال التي مضت؟ كم منها خلصت وصفت من أعمالنا، وأقوالنا، ووظائفنا؟ هل هي لله؟ أم للناس؟ أم للدنيا؟ كم هي الساعات التي نقضيها كل يوم في وظائفنا؟! كم هي الأعمال التي ننجزها كل يوم؟ كم هي الكلمات التي نتلفظ بها كل يوم؟ ليس لك منها إلا ما نويت شئت أم أبيت.
إنك تستطيع يا عبد الله! أن تجعل حياتك كلها لله، نعم.
تستطيع أن تجعل ساعات العمل والوظيفة عبادةً تؤجر عليها، تستطيع أن تجعل ابتسامتك وبيعك وشراءك وإطعامك لزوجك وأولادك صدقة تكتب لك، ونهر حسنات يصب في سجلاتك.
الله أكبر! ما أحلاها وما أعظمها من نعمة، قال زبيد بن الحارث: أحب أن يكون لي في كل شيء نية، حتى في طعامي وشرابي.
إنها السعادة الحقة، جنة الدنيا، فلله ما أروع الإخلاص لله في كل شيء، وفي كل صغيرة وكبيرة، ودقيقة وجليلة {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ}[الأنعام:١٦٢-١٦٣] .