قال محمد بن واسع: لقد أدركت رجالاً كان الرجل يكون رأسه على رأس امرأته على وسادة واحدة قد بل ما تحت خده من دموعه لا تشعر به امرأته.
ويقول رحمه الله تعالى: إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم، ولقد أدركت رجالاً يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خده ولا يشعر به الذي إلى جنبه! وذكر الذهبي في السير عن حماد بن زيد رضي الله تعالى عنه ورحمه قال: كان أيوب السختياني في مجلس فجاءته عبرة، فجعل يمتخط ويقول: ما أشد الزكام! يظهر رحمه الله تعالى أنه مزكوم لإخفاء البكاء.
هكذا كان حرصهم على هذه الصفة، صفة الخفاء في الأعمال، تلك الصفة التي عشقوها رحمهم الله تعالى، فإذا فشل أحدهم في إخفاء دمعته أو بكائه أو اصطناع المرض لإخفاء هذه الدمعة؛ كان يقوم من مجلسه مباشرة خشية أن يكشف أمره، ذكر ذلك الإمام أحمد في كتابه الزهد يوم قال: إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عبرته فيردها، فإذا خشي أن تسبقه قام.