الصورة الثامنة: حريصةٌ على صغارها، فهي معهم ترقبهم وتلحظهم، تعلم هذا، وتوجه ذاك، ومع هذا فقلبها يهفو لصلاة التراويح مع المسلمين، لكن هيهات هيهات فتصلي في بيتها، تريد أن تخشع، أن يرق قلبها، أن تشعر بلذة المناجاة لربها، لكن الأصوات والضحكات، والتعلق بثوبها من صغارها، حرمها كل ذلك، فما ملكت سوى الدمعات والعبرات على ليالي رمضان، ثم جاءت العشر الأخيرة، فإذا بها تهدهد صبيانها، وتخادع صغارها، حتى ناموا، ثم قامت فانسلت بهدوء وحذر، فجهزت سحورها، ورتبت أمورها، ثم توضأت وتلحفت بجلبابها، ثم سارت إلى مسجد حيها والظلام يلفها، فركعت وسجدت، وقامت فبكت وخشعت، وربما تذكرت صغارها، فخافت عليهم ووجلت، فلا تدري قلبها لصلاتها أو على صغارها، فرجعت وصلت في بيتها بجوار صغارها، وهي تسمع صوت الإمام يردد:{أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}[المؤمنون:٦١] فانخرطت في البكاء أن لو كانت من السابقين.
فقلت لها: أبشري أيتها الصالحة! فأنت على خير، لكن احرصي وأخلصي واحتسبي الأجر على الله، ولن يخيب ظنك وهو أعلم بحالك، ثم إني أهمس إليك بهذا الحديث المتفق عليه:(من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن، كن له ستراً من النار) .
فأسأل الله اللطيف المنان أن يجعلك من الفائزين برمضان، فإن لم تكوني أنت فمن؟ تلك الولاجة الخراجة، الجوالة في الأسواق، التي لم ترع حق ولد ولا تلد عن تلك السافرة الساهرة أمام الأفلام والمسلسلات العاهرة؟
فكم بين مشغول بطاعة ربه وآخر بالذنب الثقيل مقيد
فهذا سعيد بالجنان منعم وذاك شقي في الجحيم مخلد
كأني بنفسي في القيامة واقف وقد فاض دمعي والمفاصل ترعد