[الازدواجية في الأخلاق والمعاملات]
ومن الازدواجية في الأخلاق: ما نراه من بعض الناس من حسن الكلام، وسعة الصدر، والابتسامة، فإذا جاء البيع والشراء والتعامل بالدينار والدرهم تراه مماطلاً مماكساً، يجادل ويخاصم، وربما ضاعت وتلاشت معاني الأخوة وحقوقها.
وقيل لـ محمد بن الحسن ألا تصنف كتاباً في الزهد قال: صنفت كتاباً في البيوع.
يعني رحمه الله: أن الزاهد هو من يتحرز عن الشبهات والمكروهات في التجارات وفي سائر المعاملات، وهذا من فقه وذكاء محمد رحمة الله تعالى عليه.
ويروى أن مسروقاً كان عليه دين ثقيل، وكان على أخيه خيثمة دين، فذهب مسروق فقضى دين خيثمة وهو لا يعلم، وذهب خيثمة فقضى دين مسروق وهو لا يعلم.
وقال مطرف بن عبد الله لبعض إخوانه: يا أبا فلان! إذا كانت لك حاجة فلا تكلمني، واكتبها في رقعة، فإني أكره أن أرى في وجهك ذل السؤال.
إذا أعسرت لم يعلم رفيقي وأستغني فيستغني صديقي
حيائي حافظ لي ماء وجهي ورقي في مطالبتي رفيقي
ولو أني سمحت بماء وجهي لكنت إلى العلا سهل الطريق
عن رباح بن الجراح قال: جاء فتح الموصلي إلى منزل صديق له يقال له: عيسى التمار، فلم يجده في المنزل، فقال للخادم: أخرجي لي كيس أخي، فأخرجته، ففتحه فأخذ منه درهمين، وجاء عيسى فأخبرته الخادمة، فقال: إن كنت صادقةً فأنت حرة، فنظر فإذا هي صادقة فعتقت.
وعن جميل بن مرة قال: مستنا حاجة شديدة، فكان مورق العجلي يأتينا بالصرة فيقول: أمسكوا هذه لي عندكم، ثم يمضي غير بعيد، فيقول: إن احتجتم إليها فأنفقوها.
وقال سفيان بن عيينة: [سمعت مساوراً الوراق يقول: ما كنت لأقول لرجل إني أحبك في الله فأمنعه شيئاً من الدنيا] .
مواقف أغرب من الخيال، لكنها مكارم الأخلاق عند سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم، وصدق الأخوّة والمحبة في الله، نسأل الله الكريم من فضله، ونسأل الله عز وجل حسن التأسي بهم رضوان الله عليهم.