تاسعاً: من آثار التوحيد في النفوس: أنه يسهل عليها فعل الخيرات وترك المنكرات: فالمخلص في توحيده تخف عليه الطاعات لما يرجوه من الثواب، ويهون عليه ترك المنكرات، وما تهواه نفسه من المعاصي؛ لما يخشى من سخط الله وأليم عقابه، وكلما حقق العبد الإخلاص في قول لا إله إلا الله خرج من قلبه تألّه ما يهواه، وتصرف عنه المعاصي والذنوب، نعم إن صدق العبد في توحيده صرف عنه الكثير من الذنوب والمعاصي، ألم يقل الحق عز وجل في القرآن:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}[يوسف:٢٤] فعلل صرف السوء والفحشاء عنه بأنه من عبادنا المخلصين، ويقول الحق عز وجل:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}[الكهف:١١٠] .
فالمسلم بقدر ما في نفسه من التوحيد يكون إقدامه وحرصه على فعل الخيرات، والعكس بالعكس، ولما عدم تحقيق التوحيد في قلوبهم -أي: في قلوب المنافقين- ثقلت عليهم الطاعات وكرهوها، كما أخبر الله عز وجل عنهم في القرآن.
واسمع إلى ابن القيم رحمه الله تعالى يقول في مدارج السالكين كلاماً جميلاً: اعلم أن أشعة لا إله إلا الله تبدد من ضباب الذنوب وغيومها بقدر ذلك الشعاع وضعفه، وتفاوت أهلها في ذلك النور قوة وضعفاً لا يحصيه إلا الله تعالى، فمن الناس من نور هذه الكلمة في قلبه كالشمس -نسأل الله الكريم من فضله- ومنهم من نورها في قلبه كالكوكب الدري، ومنهم من نورها في قلبه كالمشعل العظيم، وآخر كالسراج المضيء، وآخر كالسراج الضعيف، ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بأيمانهم وبين أيديهم على هذا المقدار، وبحسب ما في قلوبهم من نور هذه الكلمة علماً وعملاً، ومعرفة وحالاً، وكلما عظم نور هذه الكلمة واشتد، أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته وشدته.
انتهى كلامه رحمه الله.
فأهمس في أذن أولئك العاجزين هذه الكلمة إلى أسرى الذنوب والشهوات والمعاصي الذين إذا ذُكِّروا تعللوا بالمشقة والعجز، فإذا قيل لأحدهم: اترك يا أخي تلك المعصية! قال: لا أستطيع، أقول لأولئك كما يقول ابن القيم رحمه الله: إنما يجد المشقة في ترك المعوقات والعوائد من تركها لغير الله، أما من تركها صادقاً مخلصاً من قلبه لله، فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا في أول وهلةٍ ليمتحن أصادق هو في تركها أم كاذب.