ذكر الذهبي في السير في ترجمة البخاري محمد بن إسماعيل، صاحب الصحيح رضي الله عنه، قال: -أي الذهبي -: وكان كثير من أصحابه يقولون له -أي البخاري -: إن بعض الناس يقع فيك! - لو قيلت هذه الكلمة لأحدنا ماذا سيقول؟ ربما يبادر ويقول مباشرةً: ماذا يقولون؟! ومتى؟! ومن هم؟! أما الإمام البخاري رحمه الله تعالى لما قيلت له هذه الكلمة: إن بعض الناس يقع فيك، قال:{إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً}[النساء:٧٦] ، ويتلو أيضاً قوله تعالى:{وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ}[فاطر:٤٣] .
هذا والله هو الفقه، وهذه والله هي البصيرة والحكمة، ولكن من يؤتى هذه البصيرة؟! ومن يؤتى هذه الحكمة؟! ولذلك إذا قلنا للناس تعلموا واقرؤوا في سير الرجال واستفيدوا منها، رأينا كثيراً منهم يعرض عن هذا، وما علم أولئك المساكين أنه في النظر حياة الأولين وتراجمهم حياة للقلوب، فإذا سمعت الناس يغتابونك أو يذكرونك بسوء وأنت أعلم بنفسك وأعلم بما بينك وبين الله جل وعلا، فاعف عنهم واصفح، وسترى أثر ذلك ومن كاد لك، فإن الله تعالى يقول:{وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ}[فاطر:٤٣] .
فقال عبد المجيد بن إبراهيم للبخاري: كيف لا تدعو الله على هؤلاء الذين يظلمونك ويتناولونك ويبهتونك؟! فقال البخاري: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اصبروا حتى تلقوني على الحوض) ، وقال أيضاً: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دعا على ظالمه فقد انتصر) .
إنه رحمه الله لا يفكر بمجرد الدعاء على من ظلمه وبهته، فضلاً عن أن يشغل نفسه أو يضيع وقته في التقصي وتتبع الزلات منهم، فرضي الله عن أولئك الأنقياء ورحمهم الله رحمةً واسعةً.