وهنا تنبيه مهم: فكثير من الناس إذا وقع في شدة، عمد إلى الحرام، كمن يذهب إلى السحرة والكهان، أو يتعامل بالربا والحرام، فإذا نُصِح أو ذُكِّر قال: إنه مضطر، أو كما يقول البعض: ليس مَن رجلُه في النار كمن رجله في الماء! لعلّي أيها الحبيب! أذكّرك بآية، ربما أنك نسيتها في خضم المصيبة والشدة التي وقعت فيها، إن الله عز وجل يقول:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}[النمل:٦٢] والمضطر: الذي أخرجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر إلى اللجأ والتضرع إلى الله، كما يقول الزمخشري.
وأنت أيها الأخ! أو أيتها الأخت! تذكر أنك مضطر، والمضطر وعده الله بالإجابة، حتى وإن كان فاسقاً، فإذا كان الله أجاب دعوة المشركين عند الاضطرار فإن إجابته للمسلمين مع تقصيرهم من باب أولى.
جاء رجل إلى مالك بن دينار فقال: أنا أسألك بالله أن تدعو لي فأنا مضطر، فقال له: فاسأله فإنه يجيب المضطر إذا دعاه.
إن الله عز وجل قد ذمّ من لا يستكين له ولا يتضرع إليه عند الشدائد، وانتبه أيها الحبيب! لابد من الضراعة والاستكانة لله عند الشدة، كما أخبر الله، فقال عز من قائل:{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}[المؤمنون:٧٦] أي: لو استكانوا لربهم وتضرعوا لكان أمرا آخر، فكيف بحال من يقع في الشرك والحرام عند البلاء والشدة فيزيد الطين بلة؟! كيف يريد الشفاء، أو انكشاف البلاء، وهو يطلبه من مخلوقين مثله ضعفاء؟! قال بعض السلف: قرأت في بعض الكتب المنزلة يقول الله عز وجل: (يؤمل غيري للشدائد، والشدائد بيدي، وأنا الحي القيوم، ويرجى غيري، ويطرق بابه بالبكرات وبيدي مفاتيح الخزائن، وبابي مفتوح لمن دعاني، من ذا الذي أملّني لنائبة فقطعت به؟ أو من ذا الذي رجاني لعظيم فقطعت رجاءه؟ ومن ذا الذي طرق بابي فلم أفتحه له؟! أنا غاية الآمال فكيف تنقطع الآمال دوني؟! أبخيل أنا فيبخلني عبدي؟! أليست الدنيا والآخرة والكرم والفضل كله لي؟! فما يمنع المؤملين أن يؤملوني؟! ولو جمعت أهل السماوات وأهل الأرض ثم أعطيت كل واحد منهم ما أعطيت الجميع وبلّغت كل واحد منهم أمله لم ينقص ذلك من ملكي عضو ذرة، وكيف ينقص ملك أنا قيمه؟! فيا بؤساً للقانطين من رحمتي، ويا بؤساً لمن عصاني ووثب على محارمي) .
ذكر ذلك ابن رجب في نور الاقتباس، والإسرائيليات يعتضد بها ولا يعتمد عليها كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.