[أحوال المحرومين]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ينعقد هذا المجلس في ليلة السبت الموافق للحادي عشر من الشهر السادس للعام (١٤١٦هـ) وموضوع هذا اللقاء بعنوان: المحرومون.
وعفواً أيها الأحبة! وأعتذر أيضاً للأخوات، فلا نجزع من كلمة (محروم) بالرغم من قساوتها، فالكثير منا يشعر بالحرمان، وينال الإنسان من الحرمان بقدر بعده عن طاعة الله، وسأوجه خطابي إلى المحرومين، وسأنادي المحرومين كثيراً فلا نجزع؛ فقد يكون المحروم أنا وقد تكون أنت، وقد يكون فلاناً أو فلانة، وقد نكون جميعاً، فالحرمان يتفاوت من شخص لآخر، ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص.
فقد تحرم الراحة والسعادة، وقد تحرم لذة السجود والركوع، وقد تحرم قراءة القرآن وتدبر آياته، وقد تحرم كثرة الذكر والاستغفار، وقد تحرم لذة الخشوع والبكاء من خشية الله، وقد تحرم بر الوالدين والأنس بهما، وقد تحرم لذة الأخوة في الله، وقد تحرم السعادة الزوجية، وقد تحرم أكل الحلال ولذته، وقد تحرم التوبة والندم على ما فات.
وقد تحرم حسن الخاتمة.
فيا أخي الحبيب! ويا أختي الغالية! قد نحرم هذه الأمور كلها، وقد نحرم الكثير منها، وقد نحرم القليل، والسعيد من جمعها ووفق إليها وقليل ما هم، فإن كنت منهم فاذكر نعمة الله عليك واشكره، واعلم أن من تمام شكره النصح والتوجيه للمسلمين، فلا تحرم نفسك أجر التبليغ، فالدال على الخير كفاعله.
إذاً: فقد يصيبك من الحرمان ولو القليل، فاحتمل خطابي واحتمل مناداتي لك بـ (يا أيها المحروم!) فإنما قصدت بها الشفقة والرحمة والحب والنصح، وأعوذ بالله أن أكون من الشامتين، فأنا أول المحرومين، أسأل الله عز وجل أن يحيينا حياة طيبة، وأن يتوب علينا توبة صادقة.
كثير ممن ظاهرهم الصلاح محرومون، فهم لم يذوقوا حلاوة الإيمان ولا حقيقة الهداية والاستقامة، فليست الاستقامة أشكالاً ومظاهر، بل هي أعمال وسرائر.
وأنتم أيضاً يا أصحاب المناصب وأهل المال والتجارة! ويا كل مهندس وطبيب وكاتب! أقول لكم جميعاً: أحسنتم يوم سهرتم وعملتم ونجحتم، ولا شك أنكم جميعاً من صناع الحياة، ومن أصحاب الأيادي البيضاء؛ لكن ما هو رصيدكم من السعادة والراحة وانشراح الصدر؟ ما حقيقة الصلة بينكم وبين الله؟ ما هو نصيبكم من حلاوة الإيمان، ولذة السجود والمناجاة، ولذة الدمعة من خشية الله عز وجل؟ إذاً: فقد يكون لكم نصيب من الحرمان، فاسمعوا يا رعاكم الله! هذه الكلمات، وإذا كان هذا هو واقع بعض الصالحين والجادين العاملين، فكيف بحال الغافلين اللاهين؟! فمن الناس من كسب الدنيا والآخرة -نسأل الله عز وجل أن نكون منهم- ومنهم من كسب الدنيا وضيع الآخرة، ومنهم من ضيع الدنيا والآخرة، وهؤلاء هم المحرومون حقاً.
يحدثني أحدهم: أنه لم يركع لله ركعة، ولم يشعر بلذة الصيام يوماً من الأيام، وأنه لا يعرف عن رمضان سوى السهر والمعاكسات والنوم بالنهار.
ويهمس لي آخر عن أحواله وأحوال أصحابه وجلساتهم في الليل وما يدور فيه من الخنا والفساد والضياع.
وقال آخر: إنه يجلس الساعات، بل الليالي ينتقل من قناة إلى قناة لقضاء الفراغ وقتل الوقت -كما يقول- يقول عن نفسه: والحق أنني أبحث عن الشهوة وتلبية رغبات النفس الأمارة، فإذا انتهيت شعرت بندم وضيق وهم لا يعلمه إلا الله، ولا أدري إلى متى سأظل على هذه الحال من قتل العمر وتضييع الأيام، يقول: أضعت نفسي ورجولتي وإيماني ووظيفتي، وباختصار: إنني أعيش بدوامة التعاسة والشقاء، وإن كنت في الظاهر في سعادة وهناء إلى آخر ما قال.
قلت في نفسي: صدق الله يوم أن قال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} [طه:١٢٤] .
ويصارحني آخر ودمعته تسيل على خده فيقول: إنكم مسئولون عنا أمام الله، أدركوا الشباب، مخدرات أفلام معاكسات سهر وغناء، ولواط وزنا، ثم يجهش في البكاء -هذه حاله والله العظيم- ويضع وجهه بين يديه وهو يقول: لقد فكرت بالانتحار عدداً من المرات! وكتب إلي أحدهم رسالة طويلة، قال في مقدمتها: قضية الشباب قضية كبيرة ومهملة وللأسف، مهملة من الجميع إلا ما شاء الله، فلا أدري من أين أبدأ في مشاكلهم المعاصرة، هل أبدأ بتضييعهم لأوقاتهم وأموالهم أو لأنفسهم أو لأمتهم.
ثم عدد بعض أسرار الشباب إلى أن قال: هذا فيض من غيض مما يدور في أوساط الشباب من الفساد والإفساد، فضلاً عن حلق اللحى وسماع الغناء وإسبال الثياب وتبادل الأشرطة والأفلام المدمرة، وشرب الدخان ولعب الورق وتبادل أرقام الهواتف، وسباب ولعان وغيبة ونميمة وكذب، ناهيك عن ترك الصلاة، وإني بمقامي هذا -والكلام ما زال له- وإني بمقامي هذا بعد إذ نجاني الله من شبكة أعداء الإسلام التي ينصبونها لأبناء هذه الأمة وليس الخبر كالمعاينة، أقول: هذا واقع الشباب فاذهبوا وشاهدوا العجائب إلى آخر رسالته.
وحدثتني بعض الأخوات، فتبين لي العجب من الضياع والحرمان الذي تعيشه بعض بنات المسلمين وللأسف.
تقول إحداهن وقد كانت غافلة عابثة بالهاتف: أنا أعيش في محنة كبيرة شديدة لا يعلمها إلا الله، فأنام وأصحو وأنا أبكي، وقلبي يكاد يتقطع، أحس أن الدنيا ضيقة، أبكي في كل وقت وأخاف أن يكون ذلك الإحساس بضيق الدنيا قنوطاً أو يأساً من رحمة الله وأنا لا أريد ذلك، تقول: فأنا أريد أن أحقق صدق توبتي بالصبر والثقة بالله والتوكل عليه والاستعانة به، والثقة بأنه سينجيني من تلك المعصية، ويغفر لي ويعوضني خيراً، وحتى لحظة كتابتي هذه الكلمات أبكي من شدة ما أجد من ألم وتعب وضيق؛ لأن كل شيء يذكرني بالماضي، ولا أجد الراحة والاطمئنان إلا في الصلاة والدعاء وتلاوة القرآن، وهذه من الصعوبات التي تواجهني في هذه الفترة، وأسأله تعالى أن يغفر ذنوبي فقد فرطت في جنب الله وتهاونت في المعصية إلى أن قالت: كنت أقول في نفسي: أمعقول أن يوجد من يتوب ويرجع إلى الله بسبب محاضرة واحدة أو شريط واحد أو موقف بسيط، فالحمد لله، وأسأله أن لا يزيغ قلبي بعد إذ هداني وقد هداها الله بسبب حضورها لمحاضرة لإحدى الأخوات في كليتها إلى آخر قصتها من رسالة لطيفة بعنوان: دموع ساخنة من فتاة عائدة.