أخي وعزيزي! تعال نتعاتب فلا ينبغي لك أن تسيء الظن بالآخرين بما ترى من تصرفاتهم، أو تسمع من أقوالهم، أو تعتقد صدوداً أو إعراضاً منهم بمجرد الظن والتخمين، فليس هذا عدلاً، فربما خفيت عليك الحقيقة، ولربما أرادوا وقصدوا أمراً آخر، ولربما أن ذلك الفعل أو الكلام لا مقصود له، ولو أنك ناقشت هؤلاء لتبين لك خلاف ما تظن، فالناس بشر يحصل لهم الخطأ والسهو والغفلة، فلا تدخل في مقاصد الناس ونياتهم، فإني أراك أسهبت -رعاك الله- في مثل هذا، واحمل الناس على محمل الخير ليستريح قلبك من الهموم، ومع ذلك كله فاعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار جاره وهو يهودي مع شدة أذاه له، واعلم -أيضاً- أن ابن تيمية رحمه الله تعالى حزن جداً لوفاة أشد أعدائه.
يقول ابن القيم رحمه الله: جئت يوماً مبشراً له -أي ابن تيمية - بموت أكبر أعدائه وأشدهم عداوةً وأذىً له، فنهرني وتنكر لي، واسترجع ثم قام من فوره إلى بيت أهل عدوه فعزاهم وقال لهم: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، ونحو هذا من الكلام، فسروا به، ودعوا له، وعظموا هذه الحالة منه، فرحمه الله تعالى ورضي الله عنه.
انتهى كلام ابن القيم.
إذاً: فمن ضاق صدره على ما عند الآخرين من خير، فلينصف نفسه فلن يجني إلا الكدر، والحقد، والحسد.