[رمضان والعيد]
رمضان والعيد: انتهت أيام العيد -أيها الأحبة- وللعيد فقه يجهله كثير من الناس حتى من الصالحين، فعيد رمضان عيد الفطر، يوم فرح وحزن معاً، فرح بتوفيق الله لنا بإكمال شهرنا وإتمام صيامنا، وليس فرحاً بسبب إنهاء الصيام وخروج رمضان كما يظن بعض الناس.
ويوم العيد يوم حزن -أيضاً- على فراق رمضان، وأيامه الغُر، ولياليه الزاهرة، ولكن من يتقن فن الحزن والفرح معاً؟ وكيف كان عيدنا الذي مضى؟ بعض الناس ربما قادته فرحته بالعيد إلى المعصية والغفلة والبعد عن الله عز وجل، فليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن إيمانه يزيد، وخاف يوم الوعيد، واتقى ذا العرش المجيد.
وهل تعلمون -أيها الأحبة- أن العيد يحزن؟ نعم.
يحزن خاصةً إذا جاء هلال العيد في مثل هذا الواقع المرير للأمة.
فمتى يحزن العيد؟ يحزن العيد عندما نلبس الجديد، ونأكل الثريد، ونطلب المزيد، ونقول لبعضنا: عيد سعيد، وإخوان لنا عراة في الجليد، ودماء وجروح وصديد، طفل شريد، وأب فقيد، وأم تئن تحت فاجر عنيد، صراخ وتهديد ووعيد، ونحن نقول لبعضنا: عيد سعيد، ولسان حالهم يقول: لماذا جئت يا عيد؟!
أقبلت يا عيد! والأحزان أحزان وفي ضمير القوافي ثار بركان
أقبلت يا عيد! والظلماء كاشفة عن رأسها وفؤاد البدر حيران
أقبلت يا عيد! والأحزان نائمة على فراشي وطرف الشوق سهران
من أين نفرح يا عيد الجراح! وفي قلوبنا من صنوف الهمّ ألوان؟
من أين نفرح والأحداث عاصفة وللدمى مقل ترنو وآذان؟
من أين والمسجد الأقصى محطمة آماله وفؤاد القدس ولهان؟
من أين نفرح يا عيد الجراح! وفي دروبنا جدر قامت وكثبان؟
من أين والأمة الغراء نائمة على سرير الهوى والليل نشوان؟
من أين والذل يبني ألف منتجع في أرض عزتنا والربح خسران؟
من أين نفرح والأحباب ما اقتربوا منا ولا أصبحوا فينا كما كانوا؟
كيف حال إخواننا -أيها الأحبة- في هذا العيد الذي مضى؟! يا ترى ما هو شعورهم؟ وكيف كانت فرحتهم بالعيد؟ هل كانوا يلبسون الجديد؟ هل كانوا يجلسون مع الآباء والأمهات؟ هل كانت الأزواج تجلس وتفرح بالهدايا من الأزواج؟ لعلنا نكتفي بمشاعر هذه الطفلة المتشردة وهي تخاطب هلال العيد، وتتمنى أنه لم يأت، فتقول له:
غب يا هلال!
إني أخاف عليك من قهر الرجال
قف من وراء الغيم لا تنشر ضياءك فوق أعناق التلال
غب يا هلال!
إني لأخشى أن يصيبك حين تلمحنا الخبال
أنا يا هلال!
أنا طفلة عربية فارقت أسرتنا الكريمة
لي قصة دموية الأحداث باكية أليمة
أنا يا هلال!
أنا من ضحايا الاحتلال
أنا مَن وُلدت وفي فمي ثدي الهزيمة
شاهدت يوماً عند منزلنا كتيبة
في يومها كان الظلام مكدساً من حول قريتنا الحبيبة
في يومها ساق الجنود أبي وفي عينيه أنهار حبيسة
وتجمعت تلك الذئاب الغبر في طلب الفريسة
ورأيت جندياً يحاصر جسم والدتي بنظرته المريبة
ما زلت أسمع يا هلال!
ما زلت أسمع صوت أمي وهي تستجدي العروبة
ما زلت أبصر خنص خنجرها الكريم
صانت به الشرف العظيم
مسكينة أمي فقد ماتت وما علمت بموتتها العروبة
إني لأعجب يا هلال!
يترنح المذياع من طرب وينتعش القدح
وتهيج موسيقى المرح
والمطربون يرددون على مسامعنا ترانيم الفرح
وبرامج التلفاز تعرض لوحةً للتهنئة:
عيد سعيد يا صغار!
والطفل في لبنان يجهل منشأه
وبراعم الأقصى عرايا جائعون
واللاجئون يصارعون الأوبئة
غب يا هلال!
قالوا: ستجلب نحونا العيد السعيد
عيد سعيد!
والأرض ما زالت مبللة الثرى بدم الشهيد
والحرب ملت نفسها وتقززت ممن تبيد
عيد سعيد في قصور المترفين
عيد شقي في خيام اللاجئين
حرمت خطانا يا هلال!
ومدى السعادة لم يزل عنا بعيد
غب يا هلال!
لا تأت بالعيد السعيد مع الأنين
أنا لا أريد العيد مقطوع الوتين
أتظن أن العيد في حلوى وأثواب جديدة؟
أتظن أن العيد تهنئة تسطر في جريدة؟
غب يا هلال!
واطلع علينا حين يبتسم الزمن
وتموت نيران الفتن
اطلع علينا حين يورق بابتسامتنا المساء
ويذوب في طرقاتنا ثلج الشتاء
اطلع علينا بالشذى بالعز بالنصر المبين
اطلع علينا بالتئام الشمل بين المسلمين
هذا هو العيد السعيد
وسواه ليس لنا بعيد
غب يا هلال!
حتى ترى رايات أمتنا ترفرف في شَمم
فهناك عيد
أي عيد
وهناك يبتسم الشقي مع السعيد
اللهم ارحم المستضعفين المسلمين في كل مكان، اللهم كن ناصراً لهم يوم تخلى عنهم الناصر، وكن معيناً لهم يوم تخلى عنهم المعين، اللهم ارحم الأطفال اليتامى، والنساء الثكالى، وذي الشيبة الكبير!