[تقويل الناس ما لم يقولوا وجهل النساء بمعنى الغيبة]
صورة أخرى: سمع ذلك المتحدث أو بعضاً من كلماته بدون إصغاء جيد، المهم أنه فهم فحوى الكلام وعرف قصد المتكلم، أو هكذا زعم -انتبهوا لهذه الصورة؛ لأنها تحصل لكثير منا- سمع ذلك المتحدث أو بعضاً من كلماته بدون إصغاء جيد، المهم كما يزعم أنه فهم فحوى الكلام، وعرف قصد المتكلم أو هكذا زعم، أو قرأ ذلك الخبر أو الكتاب، ها هو يلتهم الأسطر، نظراته تتقافز بسرعة بين الكلمات التي تساقط منها الكثير لفرط السرعة، المهم كما يزعم أنه فهم فكرة الكاتب وعرف قصده، ثم انتقل إلى المجالس ليؤدي ما تحمله ويزكي علمه، هكذا سولت له نفسه، فذكر حديث فلان وخبر علان، وأنه قال كذا وكذا، فشرق وغرب، وأبعد وأقرب، فقلب الأقوال وبدل الأحوال، وما أوتي المسكين إلا من سوء فهمه، والتسرع في نقله، من سوء الفهم أو التسرع في النقل أو في القراءة، قوّل الآخرين ما لم يقولوا، وقديماً قيل:
وما آفة الأخبار إلا رواتها
وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم
ولكن تأخذ الأذهان منه على قدر القرائح والفهوم
صورة أخرى: إننا نغفل أو نتغافل، فنتكلم في المجالس ونذكر العشرات بأسمائهم، فإذا ذكّرنا مذكر أو حذّرنا غيور بأن هذه غيبة قلنا: هذا حق، وما قلنا فيه صحيح، وقد يسرد لك الأدلة والبراهين على ما يقول فيزيد الطين بلة.
فيا سبحان الله! أليس النص واضحاً وصريحاً؟ ألم يقل الصحابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته) والحديث أخرجه مسلم في صحيحه.
إذاً: فلا مفر، فإن كان ما ذكرته صحيحاً فهذه هي الغيبة، وإن كان ما ذكرته كذباً فهو ظلم وبهتان، فكلا الأمرين مر؛ ليس لك خيار، فأمسك عليك لسانك.
وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظافر من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) والحديث أخرجه أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه وإسناده صحيح.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت امرأة -واسمعي أيتها المسلمة! اسمعي يا من في قلبك خوف من الله عز وجل! - عائشة رضي الله عنها (ذكرت أنها ذكرت امرأةً فقالت إنها قصيرة) وفي رواية (أنها أشارت إشارةً أنها قصيرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغتبتيها) وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: (اغتبتها) والحديث أيضاً عند أبي داود في سننه وعند أحمد في مسنده وغيرهما وهو صحيح.
إذاً: ما بال نسائنا اليوم يجلسن في مجلس فيعرضن لعشرات من النساء: فلانة وعلانة، وتلك فيها، والأخرى فيها، وهكذا! ألا يخشين الله عز وجل؟! ألا يخفن يوم أن تقف المرأة أمام الله عز وجل فيسألها عن قولها؟! يا سبحان الله! ألهذا الحد وصلت الغفلة في نساء المسلمين، أن يغفلن أن مثل هذا القول سيجزين عليه أمام الله سبحانه وتعالى؟! تذكري وقوفك بين يدي الله عز وجل، احرصي أيتها المسلمة! لنحرص على أنفسنا، إننا ابتلينا بقلة الأعمال الصالحة في مثل هذا الزمن، وابتلينا بكثرة الذنوب والتقصير في حق أنفسنا وحق ربنا أيها الأحبة! فلماذا إذن نزيد الطين بلةً ونجمع على ذلك ذنوب الآخرين في غيابهم بغيبتهم وتنقصهم وغير ذلك؟! وليس معنى هذا السكوت عن الأخطاء، إنني لا أطالب أن نسكت عن أخطاء الآخرين أو حتى نتغاضى عن العصاة والفاسقين والمجاهرين.
وليس معنى ذلك ألا نحذر منهم وألا نفضحهم، لا، بل هذه أمور كلها مطالبون فيها شرعاً، هذه مطالب شرعية؛ ولكن بالمنهج الشرعي وبالقواعد العلمية كما جاءت عن سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
ولكني على يقين أن أكثر ما يقال في مجالسنا لمجرد التحدث والتفكه، وربما هو الهوى وأحقاد وأضغان عافانا الله وإياكم منها.
ورحم الله عبداً قال خيراً فغنم، أو سكت عن سوء فسلم.