[الطريق للاستمرار في الطاعة]
السؤال
إنني مِن مَن اتصف بكثير من هذه الأخطاء، وخاصة الأخيرة: وهي الانقطاع وخاصة عن حفظ القرآن، ولكن لما استمعت إلى كلامك -جزاك الله خيراً- زادني حماساً، ولكن ما يلبث أن يزول هذا الحماس بعد أسبوع أو أسبوعين أو أكثر فأنقطع مرة أخرى، فما الحل وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
بارك الله فيك ورعاك وحفظك، فإن الاعتراف بالحق فضيلة، ويا ليتنا يا أحبة! كل منا يخرج من هذا المكان الطاهر الطيب وهو يقول: فيّ من الخصال التي ذكرت كذا وكذا، إن لم يكن فيّ كلها، ثم يحاول علاجها والاستفادة منها، كلنا يحب أن يكون محبوباً عند الآخرين، وأن يكون حسن الأخلاق، كلنا يريد ذلك، وكيف الوصول والسبيل لهذا؟ إن الوصول لمثل هذا بمحاسبة النفس، ومعرفة الأخطاء، وقيل لـ لقمان الحكيم: كيف تعلمت الحكمة؟ قال: تعلمت الحكمة من الجهلاء.
سبحان الله! كيف؟ قال: كنت أنظر إلى عيوبهم وأخطائهم فأتجنبها.
فنقول: أنظر لأخطائك وعيوبك فحاول أن تتجنبها، ثم انظر -أيضاً- لأخطاء الناس وعيوبهم، ثم حاول قبل أن تنتقدهم على هذه الأخطاء أن تتجنبها، وهكذا يكون العاقل ويكون اللبيب، و {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:٣٨] .
وأقول: إن هذه المشكلة وهي قضية الانقطاع يصلح أن تكون عنوان لمحاضرة أخرى مستقلة، ولا أخفيكم سراً فقد وضعت لها كثيراً من النقاط، ولعلكم تسمعونها قريباً إن شاء الله؛ لأنها بلوى كما ذكرت، عمت كثير من شبابنا ورجالاتنا وللأسف، أو تدرون ما السبب؟ الأسباب كثيرة، لكن من أهمها: أننا ندخل في مشاريعنا وأعمالنا بدون تخطيط ولا تنظيم، اجتهاد وحماس، والحماس سرعان ما يخبو، كاحتراق سعفة النخلة تشعلها لحظات ثم تنطفئ، ومن سار على هذا الأمر لم يسر على هدى، وسيحصل له عدم الاستمرار والانقطاع في أي عمل كان، ولذلك تعال وانظر لبعض الأعمال المنظمة، والمخطط لها تجد أنها تستمر سنة وسنتين وثلاث وأربع وعشر، وهكذا نريد أن يكون شبابنا ورجالاتنا على هذا المستوى من الفهم والإدراك لمثل هذا الأمر.
فأنا أقول: لماذا يا أخي الحبيب! ببناء شخصيتك لا يكون لك خطة وتنظيم تسير عليها طوال حياتك؟! ثم لا بأس أن يكون هناك وقفات عند الفتور وعند الملل؛ لتمتع النفس بشيء ما، ثم كما يقال: إذا شحنت هذه النفس سارت مرة أخرى في طريقها.
فأقول: نحن بحاجة إلى التخطيط والتنظيم، وانظر لأثر المداومة، ولنضرب مثلاً واقعاً ننظره دائماً، بل قد أقول في كل لحظة، ألا ترون صنبور الماء ينقط نقطة تلو أخرى هذه النقط يسيرة جداً فماذا أحدثت في الأرض؟ ألم تحدث أثراً؟ أليس لها أثر؟ بلى أثر، هذا الأثر لو أنك فتحت خزان الماء كله على الأرض ما أحدثه هذا الأثر أبداً؛ ولكن لأن النقطة متصلة ومستمرة ودائمة حدث هذا الأثر.
الآن المبرد أول ما تضع المبرد هل تحصل النتيجة مباشرة من أول بردة؟ لا أبداً، إنما تحصل النتيجة من البردة الأولى والثانية والثالثة والرابعة حتى تصل مبتغاك، وهكذا في قضية الاستمرار والمداومة.
ونحن حقيقة نشكو كثيراً من شبابنا الذواقون، فكل يوم في عمل، وكل يوم مع فلان أو علان، وكل يوم له تجارة معينة، وهكذا حتى ضاع عمره بدون ثمرة.
ثم أذكر أبيات جميلة لـ إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى يقول فيها ويحث على قضية الهمة والحماس، وأن يكون الإنسان مثمر في أعماله ونتائجه فيقول رحمه الله:
إذا ما مات ذو علم وتقوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمه
وموت الحاكم العدل المولى بحكم الأرض منقصة ونقمه
وموت فتىً كثير الجود محل فإن بقاءه خصب ونعمه
وموت الفارس الضرغام هدم تشهد له بالنصر عزمه
وموت العابد القوام ليل يناجي ربه في كل ظلمه
فحسبك خمسة يبكى عليهم وباقي الناس تخفيف ورحمه
وباقي الخلق همج رعاع وفي إيجادهم لله حكمه
هل ترضى أن تكون من تخفيف الرحمة أو من همج رعاع؟ لا والله.
لا أرضاه لك أبداً، فضلاً أن ترضاه لنفسك.
ولذلك أقول على شبابنا: ومن أراد ثبات الشخصية والتربية الجادة في حياته أن يخطط وينظم، وأن يسعى -أيضاً- أن يرمي نفسه بين أحضان الصالحين والجادين منهم، حتى يسير على هدى، هذا ما أقول باختصار حول قضية الانقطاع وعدم المداومة والاستمرار.